للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الجنيد لفقيرٍ: اصرف همتك إلى الله تعالى، وإياك أن تنظر بالعين التي بها تشاهد الله إلى غير الله؛ فتسقط من عين الله تعالى (١).

هجم العيد على بعض المحبين فأنشد:

الناس بالعيد قد سروا وقد فرحوا … وما سررت به والواحد الصمد

لما تخوفت أني لا أعاينكم … غضضت طرفي فلم أنظر إلى أحد (٢)

فمن ترك النظر إلى المحرمات أحبه الله تعالى، ورزقه إيمانًا يجد حلاوته في قلبه، ويورثه حكمة على لسانه يهدى بها سامعيه، قاله العلماء، ومن جملتهم الإمام مجاهد. فاهجر أيها المؤمن! ما فيه عمى قلبك، وفي الله جاهد. قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: ٦٩].

وقال : «المهاجر من هجر ما حرم الله، والمجاهد من جاهد هواه» (٣)، فمن جاهد هواه جعل الله تعالى الجنة مأواه، قال الله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: ٤٠ - ٤١]. وقال تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر: ١٩]. قال العلماء: تفسيرُه أن الرجل يكون في القوم، إن رأى منهم غفلة نظر إلى الحرام، فإن خاف أن يفطنوا له غضَّ بصره، وقد علم الله تعالى ما في قلبه، وأنه ما ترك النظر إلا حياءً منهم، لا حياءً من الله تعالى (٤). فقد ثبت أن هذا العبد عند الله تعالى من الخائنين؛ وخزائن


(١) أورده ابن الجوزي في «ذم الهوى» ٨٥.
(٢) أورده ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (٣٢/ ٣٩٢) والبيت لأبي بكر الشبلي.
(٣) سبق تخريجه.
(٤) أخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ قال: الرجل يكون في القوم فتمر بهم المرأة فيريهم أنه يغض بصره عنها، وإذا غفلوا لحظ إليها، وإذا نظروا غض بصره عنها، وقد اطلع الله من قلبه أنه ودَّ أنه ينظر إلى عورتها. وأخرج أبو نعيم في «الحلية» وابن أبي حاتم والطبراني في «الأوسط» والبيهقي في «شعب الإيمان» عن ابن عباس في قوله ﴿يعلم خائنة الأعين﴾ قال: نظرت إليها لتريد الخيانة أم لا؟ ﴿وما تخفي الصدور﴾ قال: إذا قدرت عليها أتزني بها =

<<  <  ج: ص:  >  >>