للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم اعلم بأن الناس في أول شهر رمضان أحوج إلى الخطبة والدعاء والتنبيه والتحريض على صيامه وقيامه من الخطبة في آخره، وله شبه في أصول الشرع: كخطبة العيدين في أول النهار، يعلم الناس فيها المناسك والضحايا، وما يعطوا على عملهم من الخيرات والعطايا، فلو فعل الخطبة في أول الشهر مع الحاجة إليها؛ لم يجز، ولا يجوز في آخر الشهر بطريق الأولى، وإن شاع هذا الأمر، وقلَّ إنكاره لا يدل ذلك على جوازه، إن لم يكن له أصل في الشرع، وكذلك إن كتمه لا يدل على منعه، فإن كان الخطيب صبيح الوجه، نقي البشرة، تصير البدعة بدعتين، والذي خلقه وقدره وحسنه وصوره؛ لأن النفس تلتذ بلمسه، وبنظره وبخلوته، وبما يقول. وقد نهينا عن ذلك كله، وصحَّ ذلك عن الرسول. والخطب والمواعظ جائزة؛ تذكرة للقلوب الواعية الحاضرة، وتنبيهًا للقلوب الغافلة النافرة، ويؤجر العبد على ذلك كله؛ إذا كانت خالصة لله تعالى، موافقة للسنة المباركة الطاهرة، ويخلص القائل قوله من الطمع، ومن تجديد الأحزان، ومن حضرة النساء في المقبرة، ونسأل الله حسن الخاتمة والحراسة من ذلك كله، وهو أهل التقوى وأهل المغفرة، وأن لا يشغل قلوبنا بشؤم نظرنا عما ينفعنا من أمور الآخرة.

ثم اعلم بأن إطلاق النظر هو سبب لعمى القلب، ولذلك نهانا الشرع عن ذلك، وقد رُويَ: أن النظر سهمٌ مسموم من سهام إبليس، وأنه يزرع في القلب الشهوة؛ وكفى بها فتنة (١).

واعلم أيها الغافل أن السُّم قاتل، ويزرع في قلب الغافل شيئًا لا تحصده المناجل، وينكب فاعله في العاجل والآجل: أما في العاجل فعمى القلوب، وأما في الآجل فالبعد عن علام الغيوب، فيصير الإنسان لمخالفة الشرع بين يدي الله مهانًا ذليلًا. قال المولى: ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٢].


= من البلاد تسمعهم ينادون على العدس المطبوخ في الأسواق: عدس الخليل عدس الخليل! قال الله ﷿ في كتابه العزيز ﴿فجاء بعجل سمين﴾ [الذاريات: ٢٦]، وإذا فعل ذلك في حق نفسه فيتعين عليه أن ينصح إخوانه المسلمين ممن يعلم أنه يقبل منه نصيحته، وإلا فليعتزلهم، وإلا فعليه بخاصة نفسه.
(١) يشير إلى الحديث الآتي قريبًا بلفظ: «النظر سهم مسموم» وهو ضعيف جدًّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>