للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= ضميمة أخرى، وهي أن المبتدع لا بد له من تعلق بشبهة دليل ينسبها إلى الشارع، ويدعي أن ما ذكره هو مقصود الشارع، فصار هواه مقصودًا بدليل شرعي في زعمه، فكيف يمكنه الخروج عن ذلك وداعي الهوى مستمسك بحسن ما يتمسك به، وهو الدليل الشرعي في الجملة؟! ومن الدليل على ذلك ما روي عن الأوزاعي قال: بلغني أن من ابتدع بدعة ضلالة آلفه الشيطان العبادة، أو ألقى عليه الخشوع والبكاء كي يصطاد به. وقال بعض الصحابة: أشد الناس عبادةً مفتونٌ. واحتج بقوله : «يحقر أحدكم صلاته في صلاته وصيامه في صيامه» إلى آخر الحديث. ويحقق ما قاله الواقعُ كما نقل في الأخبار عن الخوارج وغيرهم. فالمبتدع يزيد في الاجتهاد لينال في الدنيا التعظيم والمال والجاه وغير ذلك من أصناف الشهوات، بل التعظيم على شهوات الدنيا، ألا ترى إلى انقطاع الرهبان في الصوامع والديارات عن جميع الملذوذات، ومقاساتهم في أصناف العبادات والكف عن الشهوات، وهم مع ذلك خالدون في جهنم؟! قال الله: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (٢) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (٣) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (٤)﴾ [الغاشية: ٢ - ٤]. وقال: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (١٠٤)﴾ [الكهف: ١٠٣ - ١٠٤]؛ وما ذاك إلا لخفة يجدونها في ذلك الالتزام، ونشاط بداخلهم، يستسهلون به الصعب، بسبب ما داخل النفس من الهوى، فإذا بدا للمبتدع ما هو عليه، رآه محبوبًا عنده، لاستبعاه للشهوات وعمله من جملتها، ورآه موافقًا للدليل عنده، فما الذي يصده عن الاستمساك به والازدياد منه؟ وهو يرى أن أعماله أفضل من أعمال غيره، واعتقاداته أوفق وأعلى؟! أفيفيد البرهان مطلبًا؟ ﴿كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء﴾ [المدثر: ٣١]. انتهى كلام الشاطبي .
والمقصود: أن صاحب البدعة لا يوفق إلى التوبة، وذلك من شؤم البدعة على صاحبها، لأن الشيطان زين له بدعته فنظر إليها على أنها طاعة وقربة، ولم ينظر إليها على أنها معصية، ومن كانت هذه حاله فقل أن يتوب إلا من يتداركه الله برحمته. وعلى هذا المعنى تحمل الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب، وليس المقصود أن توبة المبتدع لا تقبل، بل إن تاب توبة صادقة بشروطها، قبل الله منه وغفر له، والله تعالى يقبل توبة من هو أعظم شرًّا منه وهو المشرك، فكيف بالمبتدع الذي هو في دائرة الإسلام؟! قال تعالى: ﴿قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا﴾ [الزمر: ٥٣]، وقال تعالى: ﴿وإن ربك لذوا مغفرة للناس على ظلمهم﴾ [الرعد: ٦]؛ فهاتان الآيتان وغيرهما من آيات التوبة في القرآن وكذلك الأحاديث الواردة في التوبة تدلان دلالة واضحة على أن باب التوبة مفتوح لكل من أسرف على نفسه أو ظلم، إذا عاد وتاب واتبع الحق. ولا شك أن المبتدع =

<<  <  ج: ص:  >  >>