للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وقال الشاطبي في «الاعتصام» ١/ ١٦٢: وأما أن صاحبها ليس له من توبة: فلما جاء من قوله : «إن الله حجر التوبة على كل صاحب بدعة» [أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» وصححه الألباني بشواهده]. وعن يحيى بن أبي عمرو الشيباني، قال: كان يقال: يأبى الله لصاحب بدعة بتوبة، وما انتقل صاحب بدعة إلا إلى أشر منها. ونحوه عن طريق علي بن أبي طالب قال: ما كان رجل على رأي من البدعة فتركه، إلا إلى ما هو شر منه. خرَّج هذه الآثار ابن وضاح. وخرج ابن وهب عن عمر بن عبد العزيز: أنه كان يقول: اثنان لا نعاتبهما: صاحب طمع، وصاحب هوى، فإنهما لا ينزعان. وعن ابن شوذب قال: سمعت عبد الله بن القاسم وهو يقول: ما كان عبد على هوى تركه؛ إلا إلى ما هو شر منه. قال: فذكرت ذلك لبعض أصحابنا، فقال: تصديقه في حديث عن النبي : «يمرقون من الدِّين مروق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون إليه حتى يرجع السهم على فُوقه». وعن أيوب قال: كان رجل يرى رأيًا، فرجع عنه، فأتيت محمدًا فرحًا بذلك أخبره، فقلت: أشعرت أن فلانًا ترك رأيه الذي كان يرى؟ فقال: انظر إلامَ يتحوَّل؟ إن آخر الحديث أشد عليهم من أوله: «يمرقون من الدين ثم لا يعودون». وهو حديث أبي ذرِّ أن النبي قال: «سيكون من أمتي قوم يقرءون القرآن ولا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليقة». فهذه شهادة الحديث الصحيح لمعنى هذه الآثار، وحاصلها: أن لا توبة لصاحب البدعة عن بدعته، فإن خرج عنها، فإنما يخرج إلى ما هو شر منها، كما في حديث أيوب، أو يكون ممن يظهر الخروج عنها وهو مصر عليها بعد، كقصة غيلان مع عمر بن عبد العزيز. ويدل على ذلك أيضًا حديث الفرق إذ قال فيه: «وإنه سيخرج في أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكَلَبُ بصاحبه، لا يبقى منه عرقٌ ولا مفصل إلا دخله» [أخرجه أبو داود (٤٥٩٧) وحسَّنه الألباني]؛ وهذا النفي يقتضي العموم بإطلاق، ولكنه قد يحمل على العموم العادي، إذ لا يبعد أن يتوب عما رأى ويرجع إلى الحق، كما نقل عن عبد الله بن الحسن العنبري، وما نقلوه في مناظرة ابن عباس الحرورية الخارجين على علي ، وفي مناظرة عمر بن عبد العزيز لبعضهم. ولكن الغالب في الواقع الإصرار، ومن هنالك قلنا: يبعُد أن يتوب بعضهم، لأن الحديث يقتضي العموم بظاهره … وسبب بعده عن التوبة: أن الدخول تحت تكاليف الشريعة صعب على النفس، لأنه أمر مخالف للهوى، وصاد عن سبيل الشهوات، فيثقل عليها جدًّا، لأن الحق ثقيل، والنفس إنما تنشط بما يوافق هواها لا بما يخالفه، وكل بدعة فللهوى فيها مدخل، لأنها راجعة إلى نظر مخترعها لا إلى نظر الشارع، فإن تعلقت بحكم الشارع فعلى حكم التبع لا بحكم الأصل، مع=

<<  <  ج: ص:  >  >>