للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الصحيح يقتضي أن تكون العلة واحدة في القصتين للتشابه الموجود بينهما، ولأن كون النداوة سببًا لتخفيف العذاب عن الميت مما لا يعرف شرعًا ولا عقلًا، ولو كان الأمر كذلك لكان أخف الناس عذابًا، إنما هم الكفار الذين يدفنون في مقابر أشبه ما تكون بالجنان، لكثرة ما يزرع فيها من النباتات والأشجار التي تظل مخضرة صيفًا وشتاء! يضاف إلى ما سبق: أن بعض العلماء كالسيوطي قد ذكروا أن سبب تأثير النداوة في التخفيف كونها تسبح الله تعالى، قالوا: فإذا ذهبت من العود ويبس انقطع تسبيحه! فإن هذا التعليل مخالف لعموم قوله : ﴿وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم﴾ [الإسراء: ٤٤]. (ب) في حديث ابن عباس نفسه ما يشير إلى أن السر ليس في النداوة، أو بالأحرى ليست هي السبب في تخفيف العذاب، وذلك قوله: ثم دعا بعسيب فشقه اثنين، يعني طولًا، فإن من المعلوم أن شقه سبب لذهاب النداوة من الشق ويبسه بسرعة، فتكون مدة التخفيف أقل مما لو لم يشق، فلو كانت هي العلة لأبقاه بدون شق، ولوضع على كل قبر عسيبًا أو نصفه على الأقل، فإذا لم يفعل دل على أن النداوة ليست هي السبب، وتعين أنها علامة على مدة التخفيف الذي أذن الله به استجابة لشفاعة نبيه ، كما هو مصرح به في حديث جابر، وبذلك يتفق الحديثان في تعيين السبب، وإن احتمل اختلافهما في الواقعة وتعددها. فتأمل هذا، فإنما هو شيء انقدح في نفسي، ولم أجد من نصَّ عليه أو أشار إليه من العلماء، فإن كان صوابًا فمن الله تعالى وإن كان خطأ فهو مني، وأستغفره من كل ما لا يرضيه. (ج) لو كانت النداوة مقصودة بالذات، لفهم ذلك السلف الصالح ولعملوا بمقتضاه، ولوضعوا الجريد والآس ونحو ذلك على القبور عند زيارتها، ولو فعلوا لاشتهر ذلك عنهم، ثم نقله الثقات إلينا، لأنه من الأمور التي تلفت النظر، وتستدعي الدواعي نقله، فإذ لم ينقل دل على أنه لم يقع، وأن التقرب به إلى الله بدعة، فثبت المراد. انتهى كلام الألباني .
ومذهب جمهور العلماء على أن القراءة على القبور غير مشروعة، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في رواية عنه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «اقتضاء الصراط المستقيم»: «ولا يحفظ عن الشافعي في هذه المسألة كلام، لأن ذلك كان عنده بدعة، وقال مالك: ما علمت أحدًا يفعل ذلك. فعلم أن الصحابة والتابعين ما كانوا يفعلونه».
وقال في «الفتاوى الكبرى» ٤/ ٢٣٧: «والعلماء لهم في وصول العبادات البدنية: كالقراءة والصلاة والصيام إلى الميت قولان أصحهما أنه يصل، لكن لم يقل أحد من العلماء بالتفاضل في مكان دون مكان، ولا قال أحد قطُّ من علماء الأمة المتبوعين: أن الصلاة أو القراءة عن القبر أفضل منها عند غيره، بل القراءة عند القبر قد اختلفوا =

<<  <  ج: ص:  >  >>