للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن السنة أن لا يجلس أحد حتى تحط الجنازة إكرامًا لها (١)، وكان في ابتداء الإسلام يقام لها، ثم نسخ فصار آخر الأمر أن لا يقوم لها إلا من يريد أن يشهدها أو يصلي عليها، أو يحضر دفنها (٢).

ثم اعلم أن تشييع الجنازة من فروض الكفاية (٣)، إذا قام به البعض سقط عن الباقين فصار مستحبًّا، فإن تبع الجنازة لا ينقلب (٤) المستحب هنا واجبًا، وكذلك يستحب صلاة التطوع، وصيام التطوع، ما لم يشرع فيهما، فإذا شرع انقلب واجبًا يجب عليه القضاء إذا أفسده؛ لأن الإنسان إذا دخل في عمل صالح لا يبطله؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٣]، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة. ومذهب الشافعي بعكس ذلك: لا يجب القضاء بل يستحب (٥).


(١) أخرجه أحمد في «مسنده» ٣/ ٥١ (١١٤٥١)، والبخاري في «صحيحه» (١٣١٠)، ومسلم في «صحيحه» (٩٥٩)، أبو داود في «سننه» (٣١٧٣)، والترمذي في «جامعه» (١٠٤٣)، والنسائي في «المجتبى» ٤/ ٤٤ (١٩١٧)، وفي «الكبرى» (٢١٢٥)، وابن حبان في «صحيحه» (٣١٠٤) من حديث أبي سعيد الخدري ، بلفظ: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعدن حتى توضع».
(٢) أخرجه مالك في «الموطأ» (٥٥١)، والحميدي في «مسنده» (٥١)، وأحمد في «مسنده» ١/ ٨٢ (٦٢٣)، ومسلم في «صحيحه» (٩٦٢)، وابن ماجه في «سننه» (١٥٤٤)، وأبو داود في «سننه» (٣١٧٥)، والترمذي في «جامعه» (١٠٤٤)، والنسائي في «المجتبى» ٤/ ٧٧ (١٩٩٩)، وفي «الكبرى» (٢١٢٦). من حديث علي بألفاظ متقاربة.
(٣) انظر: «الإنصاف» ٢/ ٣٨١، و «كشاف القناع» ٢/ ١٢٨، و «إعانة الطالبين» ٤/ ١٨٤.
(٤) كذا في النسخ: (لا ينقلب) بإثبات حرف النفي، والصواب بحذفه، فمراده أن المستحب ينقلب واجبًا بعد الشروع فيه، على مذهب الحنفية، كما سيبيِّنه.
(٥) ذهب بعض العلماء إلى أن النفل يجب على المكلف بالشروع فيه، فإذا أبطله وجب عليه قضاؤه صومًا كان أم صلاةً أم غيرهما، وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، والظاهرية، ومذهب الشافعية والحنابلة استحباب الإتمام ولا قضاء عليه. وهذا قول الأكثر من أئمة السلف، وأخرج عبد الرزاق ٤/ ٢٧١ عن عطاء: أن ابن عباس كان لا يرى بأسًا أن يفطر إنسان في التطوع، ويضرب أمثالًا: طاف سبعًا فقطع ولم يوفه فله ما احتسب، أو صلى ركعة ولم يصل أخرى فله ما احتسب، أو يذهب بمال يتصدق به، فيتصدق ببعضه وأمسك بعضه.=

<<  <  ج: ص:  >  >>