للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أنت؟ قال: وتكتم؟ قال: نعم. قال: أنا سفيان الثوري (١).

ومن الإسراف أن يأكل العبد كل ما تشتهيه نفسه. (٢) (قال يحيى الوراق: من أرضى الجوارحَ بالشهوات، فقد غرس في قلبه شجرة الندامات (٣).

وقال الثوري: إذا عصتك نفسك فيما تأمر، فلا تطعها (٤) فيما تشتهي (٥).


(١) أخرجه ابن الجوزي في «مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن» ص ٣٢٣ عن عبد الرحمن بن يعقوب، قال: قدم علينا شيخ من هراة يكنَّى: أبا عبد الله، شيخ صدق، قال: دخلت المسجد في السحر، فجلست إلى زمزم، فإذا شيخ قد دخل من باب زمزم، وقد سدل ثوبه على وجهه، فأتى البئر، فنزع بالدلو فشرب، فأخذت فضلته فشربتها، فإذا سويق لوز لم أذق أطيب منه، ثم التفتُّ، فإذا شيخ قد ذهب، ثم عدت من الغد في السحر، فجلست إلى زمزم، فإذا الشيخ قد دخل من باب زمزم، فأتى البئر، فنزع بالدلو فشرب، فأخذت فضلته فشربتها، فإذا ماء مضروب بعسل لم أذق قط أطيب منه، فالتفت فإذا الشيخ قد ذهب، ثم عدت من الغد في السَّحر، فإذا الشيخ قد دخل من باب زمزم، فأتى البئر، فنزع فشرب، فأخذت فضلته، فشربتها، فإذا سكر مضروب بلبن لم أذق قط أطيب منه، فأخذت طرف ملحفته فلففتها على يدي، فقلت: يا شيخُ! بحقِّ هذه البِنْيَة عليك من أنت؟ قال: تكتمُ عليَّ؟ قلتُ: نعم.
قال: حتى أموت؟ قلتُ: نعم. قال: سفيان بن سعيد الثوريُّ.
قال محقِّق كتاب ابن الجوزي: الخبر أورده ابن قدامة المقدسي في «الرقة» ٢٤٥، وفي إسناده من لم أهتد إلى ترجمته، فضلًا عن جهالة الشيخ الهروي.
قلتُ: كان سفيان الثوري إمام أهل مكة في زمانه، ومن أعلام المسلمين، يقصده طلاب الحديث من شتَّى بقاع الأرض، فكيف لم يتعرف عليه هذا الشيخ الهروي، والمظنون فيه أنه من أهل الحديث! وقد كان سفيان معروفًا بكثرة الأكل ليستعين بذلك على طاعة الله، أخرج أبو نعيم في «حلية الأولياء» ٦/ ٣٨٩ عن يحيى بن أبي ثابت قال: أُتي سفيان الثوري وهو في المسجد الحرام بسويق فيه نحو من مد أهل مكة، ثلثاه سويق، وثلثه سكر، قال: فشربه حتَّى حلَّ إزاره، قال: ثم شدَّ إزاره، وقال: أشبع الزنجي وكدَّه. ثم قام من أول الليل إلى آخره. (ت)
(٢) من هنا بداية سقوط ورقتين من (ق).
(٣) أخرجه البيهقي في «الزهد» (٣٦٨)، وابن الجوزي في «ذم الهوى» ١/ ٢٧، وذكره الغزالي في «الإحياء» ٣/ ٦٦.
(٤) في (ب): تطعمها.
(٥) لم أجده.

<<  <  ج: ص:  >  >>