للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى أبو نعيم في «الحلية» (١) وذكر ابن الجوزي في «صفة الصفوة» (٢): أن بعض السلف كان يأكل في كل ستة أشهر أكلة، فعجب بعض الناس من ذلك المدد الذي أمده الله تعالى به، فقال لهم: من أي شيء تعجبون؟ سألت الله سبحانه أن يكفيني مؤنة بطني ففعل.

وسأل بعض مشايخ «الرسالة» أن يُمدَّه الله ويُغنيَه عن هذه المآكل، وكان إذا جاع قويَ، وإذا شبع ضعف (٣).

وهذه من كرامات الأولياء، ولا ينكرها إلا من نكب من الأشقياء؛ فإنه مقام الصالحين، وأجر الإيمان بكرامات أهل اليقين، وقد صحَّ أن أبا ذر مكث بزمزم ثلاثين يومًا لم يستطعم طعامًا (٤) غير ماء زمزم، فسمن على الماء. رواه البخاري ومسلم في إسلام أبي ذر (٥).

دخل رجل إلى زمزم يريد ماءً، فوجد رجلًا ومعه ركوة وقد ملأها، فقال: يا سيدي، اسقني. فسقاه، فوجد سُويقًا مذابًا بسكر، فقال له: بالله


(١) «حلية الأولياء» ١٠/ ٢٢٨.
(٢) «صفة الصفوة» ٤/ ١٦٧.
(٣) أخرجه القشيريُّ في «رسالته» فقال: سمعت محمد بن أحمد التميمي يقول: سمعت عبد الله بن علي يقول: سمعت طلحة القصائري يقول: سمعت المنيحي صاحب سهل بن عبد الله هو التستري يقول: كان سهل يصبر عن الطعام سبعين يومًا، وكان إذا أكل ضعف، وإذا جاع قوي.
قلتُ: ذكره المؤلف اعتمادًا على ذاكرته فزاد فيه. وهذا ليس من الكرامات، بل مما يعتاده الإنسان ويألفه مع طول المعاناة، ففي الناس من لا يستطيع العمل والنشاط إلا مع الشبع، وفيهم من هو على العكس من ذلك، فلكل إنسان طبيعته، مما جبله الله عليه، أو اعتاده والتزمه في حياته، والمعيار في القيام بطاعة الله تعالى واجتناب معاصيه، لا في الجوع والشبع. (ت)
(٤) في (خ): بطعام.
(٥) البخاري في «صحيحه» (٣٥٥٢)، ومسلم في «صحيحه» (٢٤٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>