للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحب البقاء في الدنيا لبطنٍ، ولا لفرجٍ» (١)، فقد علمتَ أن في المأكل اليسير الخيرَ الكثير، والمتابعة للبشير النذير، والأكُول متَّبع للبهائم والكفار والحمير.

وقد جمع الحق سبحانه في آية واحدة الطب كله، وهو قوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: ٣١] فالأمراض المختلفة والتُّخم والعلل والأسقام أصلها من الإسراف بلا خلاف؛ لأن الشِّبَع المفرط أصل كل داء حتى قال بعض الحكماء: من أكل الطعام بغير إسراف لم يعتل إلا علة الموت، وهو أن يأكل بعد الجوع، ويرفع قبل الشبع عملًا بالحديث، يعمل بطنه على ثلاثة أقسام: ثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس (٢). والدرجة العليا أنْ يأكل الإنسانُ أكلَ المريض، وينام نوم الغريق (٣).

ومن السُّنة غسل اليدين قبل الطعام وبعده (٤)، وتسمية الله تعالى في


(١) أخرجه أبو نعيم في «الحلية» ٢/ ٣٦١ عن حزم القطيعي قال: دخلنا على مالك بن دينار في مرضه الذي مات فيه، وهو يكيد بنفسه، فرفع رأسه إلى السماء، ثم قال: … فذكره. (ت)
(٢) أخرجه أحمد في «مسنده» ٤/ ١٣٢ (١٧١٨٦)، وابن ماجه في «سننه» (٣٣٤٩)، والترمذي في «جامعه» (٢٣٨٠)، والنسائي في «الكبرى» (٦٧٧٠) من حديث المقدام بن معدي كرب بلفظ: «ما ملأ آدمي شرًّا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة: فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه».
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وقال الحاكم في «المستدرك» ٤/ ٣٣٢: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقال الألباني في «الصحيحة» (٢٢٦٥): صحيح.
(٣) هذا ليس من الدرجة العليا في شيء، فإن من المعلوم أن المرض حال عارضة فيها مشقة وحرج، والمشروع أن يسأل المسلم ربَّه الصحة والعافية والشفاء من كل داء، ويستعيذ به سبحانه من الأمراض والأوجاع والأسقام، فإن العبدَ لا يستطيع القيام بما عليه من حقِّ العبودية لله تعالى على وجه حسن إلا براحة النفس، وقوة الجسد. (ت)
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٦٦٣)، وأحمد في «مسنده» ٦/ ١١٩ (٢٤٨٧٤)، وابن ماجه في «سننه» (٥٩٣)، وأبو داود في «سننه» (٢٢٢)، والنسائي في «المجتبى» ١/ ١٣٩ (٢٥٦) من حديث عائشة : أن رسول الله كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ، وإذا أراد أن يأكل غسل يديه. وصححه الألباني، وانظر «المغني» ٨/ ١٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>