للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن أعرض أعرض الله عنه، ومن جاء فما غاب، وصار من جملة الأحباب، بكل ذلك جاءت السنة والكتاب، فينبغي للمعرض عن الله تعالى أن يبكي على نقصان حظه من الإيمان، فمن كثر إيمانه قلَّ عصيانه، وكان بعضهم يبكي ويقول: إلهي، لا أبكي لوجود المعصية، إني لا أصلح لها؛ بل أبكي الذي كان هذا حظي منك (١).

فيا من يكثر الطاعة ولا يجد لعبادته حلاوةً في قلبه، وما ذلك إلا لإصراره على الذنوب، ولقلة حيائه من علام الغيوب؛ لأن العاصي قد علت (٢) على أرض قلبه سباخ البدعة والسيئات، فلا ينتج فيه النبات ولا يفلح فيه أبدًا. قال المولى جل وعلا: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا﴾ [الأعراف: ٥٨].

فتضرع أيها المؤمن إلى الله سبحانه، فليس لها إلا هو، ولن ينقذ أحدٌ أحدًا، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ [الكهف: ١٧].

قال بعضهم: نزلت بي ضرورة وفاقة، فكلما هممت بالدعاء تفكرت قبح حالي، فرددت يدي حياءً من الله تعالى، فأقمت على ذلك مدة، فدخلت يومًا إلى مجلس عبد الواحد بن زيد، فسمعته يقول: أوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه أن قل لعبادي يستغفروني فإني غفور رحيم، ولا يبارزوني بالمعاصي فإن عذابي عظيم، ولا يتأخروا عن مسألتي فإني غني كريم، أنا المعروف بالمعروف. قال: فما قمت حتى دعوت ربي ففرج عني (٣).

أحرم بعض الصالحين فلم يلب ولم يدع الله تعالى، فقيل له في ذلك، فقال: أخاف أن أقول: لبيك. فيقول: لا لبيك ولا سعديك. فقيل له: لا بد لك من التلبية لأن التلبية سنةٌ في مذهب الشافعي، وعند أبي


(١) لم أجده.
(٢) في (خ): غلبت.
(٣) لم أجده.

<<  <  ج: ص:  >  >>