للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها.

لكن ينبغي للعبد المقبل أن يفرح لإقباله على مولاه، قال الله سبحانه: ﴿فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: ٥٨].

وينبغي للعبد المُدْبِر أن يطيل الحزن على ما فاته من معاملة الله سبحانه، كما قال بعضهم:

فوا حزني أني مقيم ببلدةٍ … وأنت بها ما لي إليك وصول) (١)

كالعيس في البيداء يقتلها الظما … والماء فوق ظهورها محمول

وكان أبو حنيفة يكثر من قوله:

كفى حزنًا أن لا حياة هنيئة … ولا عمل يرضى به الله صالح

وقال الشافعي في مرضه الذي مات فيه، وقد سأله المزني: كيف حالك؟ فقال : أصبحت في الدنيا راحلًا، ولإخواني مفارقًا، ولسوء أعمالي ملاقيًا، ولا أدري أنا من أهل الجنة فأُهنَّأ، أم من أهل النار فأُعزَّى. وأنشد فقال:

أسفي أموت وليس لي … عمل به نفسي تطيب

والغبن أني راحلٌ ما … لي من التقوى نصيب (٢)

فقد علمت تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ﴾ [الحديد: ٢٣] أي: بما أعطاكم الله من الدنيا.

وقد جاء في الحديث: «إذا أحب الله عبدًا زوَى عنه الدنيا» (٣). فما زواها عنه بخلًا عليه، بل رحمةً منه إليه، ليخفف حسابه، وليتفرغ لخدمة الله، وللوقوف بين يديه، ثم طلب منه الصبر، أي اصبر، فالعوض


(١) إلى هنا نهاية سقوط ورقة من (ق).
(٢) أخرجه البيهقي في «الزهد الكبير» (٥٧٥)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» ٥١/ ٤٢٩، والسبكي في «طبقات الشافعية» ١/ ٢٩٥، والذهبي في «السير» ١٠/ ٧٥.
(٣) سلف ذكره وتخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>