للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تؤثر هواك على رضاه، فتحمُّل المشقات في طلب مَنْ لا مِثل له حسنٌ جميل، وإتعابُ النفس في طلب ما له أمثال كثيرة خسران وبيل.

كان بعضهم ينشد:

أتوب إلى الذي أضحى وأمسى … وقلبي يتقيه ويرتجيه

تشاغل كل مخلوق بشغل … وشغلي في محبته وفيه

سمع هذه الأبيات سفيان الثوري فبكى، وقال: نعم الشغل شغلك.

قال علماء الحنفية (١): إذا بكى العبد في صلاته من خشية الله تعالى تمت صلاته، وكثرت حسناته، وإن بكى مِنْ نزول مصيبة أو مِنْ فَقْد شيءٍ من الدنيا فسدت صلاته؛ وذلك لأن الله تعالى ما أخذ منه شيئًا إلا ويريد أن يعوضه ما هو خير منه، وأمره بالصبر، فلما لم يصبر ولم يثق بوعد الله تعالى فقد خالف الله، فبطلت صلاته، وهذا إذا ارتفع البكاء، فإن لم يرتفع بكاؤه لم تبطل صلاته، والله أعلم.

كان شيخُنا رحمة الله عليه يقول: إن عُمرًا ضُيِّع أوله لجدير أنْ يُحفظ آخره. وكان يقول: ما أقلَّ بركة مالٍ وقع فيه أيدي الناهبين.

إياك أيها المؤمن! أن تخرج من الدنيا وما ذُقت أطيب شيء فيها، وهي حلاوة حب الله سبحانه؛ فما أحب الصالحون البقاء في الدنيا لجمع المال، ولا لغرس الأشجار، ولا لجري الأنهار، ولكن لظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ولطلب العلم، ولتحصيل الطاعة والأذكار. فالمؤمن الصَّادق لا يفرح إلا بالله، ولا يحزن إلا على ما فاته من معاملة الله، وهذا مراد الحق من عبده.

قال المفسرون في تفسير قوله تعالى: ﴿لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ أي: من الدنيا. ﴿ولا تفرحوا بما آتاكم﴾ [الحديد: ٢٣] أي: بما أعطاكم الله


(١) «بدائع الصنائع» ١/ ٢٣٥، و «البحر الرائق» ٢/ ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>