للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأى الشِّبلي امرأةً خلف جنازة ولدها وهي تصيح: والله ما لي سواه. فصاح الشِّبلي: وامصيبتاه إن طردني من ليس لي سواه (١).

واعلم أن من بكى على شيء فاته من أمر الدنيا يسأل عنه يوم القيامة؛ لأنه ضيع دمعه في غير مصلحة، قال الله تعالى: ﴿لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ﴾ [الحديد: ٢٣]. أي من أمر الدنيا؛ لأنها كالظل الزائل عن أيامٍ قلائل.

والسفيه لا يكون سفيهًا بتضييع الكثير من المال، بل لو وضع فلسًا في غير مصلحةٍ يكون سفيهًا؛ لأن الفلس مال، وقد نهى الشرع عن إضاعة المال، فإذا سئل العبد عن إضاعة ماله في غير مصلحة، أفما (٢) يسأل عن إضاعة عمره في غير مصلحة!

كان بعضهم ينشد هذه الأبيات:

كم يذهب هذا العمر في خسران … ما أشغلني عنه وما ألهاني

ضيعت زمانًا ما له من عوضٍ … هل بعدك يا عمري من عمرٍ ثاني

وأنشدوا أيضًا (٣):

سهر العيون لغير وجهك باطل … وبكاؤهن لغير هجرك ضائع

فالويل، ثم الويل لمن فقد قلبًا واعيًا، وطرفًا باكيًا، واعلم رحمك الله بأنَّ جميع الكائنات لها شبه ونظير، والحق سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

فإذا علمت أنَّ الحقَّ لا مِثل له؛ فلا تضيع وقتك بالاشتغال بالأشكال والأمثال والرسوم والأطلال، فلا تطلب إلا إياه، ولا


(١) هذا مكرر، فقد ذكر المصنف هذا فيما سبق، وعلقنا عليه هناك.
(٢) في (ب): فكيف لا.
(٣) في (ب): أنشد بعضهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>