للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الراوندي، وهل قاله ابن الراوندي أم لا؟ كقولهم: إنه خرج ذات يوم وبيده زِبْدِيَّةٌ (١)، فوقع عليها بَرَدَةٌ (٢) فكُسرتْ، فدخل بيته ثم خرج بهاونٍ وألقاه للمطر والبَرَد، وقال: إن كنت شاطرًا فاكسر هذا (٣).

ويحكون أيضًا عنه أنه أتى الحمام فرأى شابًّا جميلًا عليه ثياب دنسة، وهو يعمل في مستوقد الحمام، ثم رأى عبدًا أسود قد خرج من الحمام وعليه ثياب جميلة، والمسك يفوح من بين ثيابه وقد ركب بغلة ثمينة، فلما خرج من الحمام شم رائحة الهوى ومسح العرق عن وجهه، ثم قال: سافر الله! مراده استغفر الله. فقال ابن الراوندي: يا عبد النحس (٤)، لو لم يسافر الله ما كنت أنت تتقلب في هذه السعادة والإنعام، وهذا الشاب الجميل يعمل في مستوقد الحمام (٥).

ومثل هذا كثير يتداوله الفسقة بينهم حين يمزحون، ومن الدين يمرقون، وعن طريق نبيهم يخرجون، ومن عين مليكهم يسقطون، ﴿قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [التوبة: ٣٠].

وقد قلت بعض ما يقولون حاكيًا لأجل النصح، لا مازحًا، ولا


(١) الزِّبدية: وعاء من الخزف المحروق المطلي بالميناء، يخثر فيها اللبن.
(٢) البَرَدة: شيء ينزل من السحاب يشبه الحصى، ويسمى حبُّ الغمام وحبُّ المزْن. «المصباح المنير».
(٣) لم أقف على هذا، وابن الراوندي هو الملحد أبو الحسين أحمد بن يحيى بن إسحاق البغدادي (ت: ٢٩٨ هـ)، نسبته إلى (راوند) من قرى أصبهان. قال ابن كثير: أحد مشاهير الزنادقة، طلبه السلطان فهرب، ولجأ إلى ابن لاوي اليهودي (بالأهواز) وصنف له في مدة مقامه عنده كتابه الذي سماه «الدامغ للقرآن». وقال ابن حجر العسقلاني: ابن الراوندي، الزنديق الشهير، كان أولًا من متكلمي المعتزلة ثم تزندق واشتهر بالإلحاد، ويقال كان غاية في الذكاء.
قلتُ: الظاهر أن بعض السفهاء كانوا يتناقلون حكايات في الاستهزاء بالدين على لسان ابن الراوندي، لأن هذا كان معروفًا بالإلحاد، لهذا قال المصنف : وهل قاله ابن الراوندي أم لا؟ فقد يكون نسبة ذلك إليه لتهوين نقله ونشره بين الناس، والله أعلم. (ت)
(٤) في (ق): أنحس
(٥) لم أجده.

<<  <  ج: ص:  >  >>