للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الفقيه أبو الليث رحمة الله علينا وعليه: دخل رجل السوق ليشتري فرسًا للجهاد، فرأى برذونًا يُنادَى عليه بأربعين درهمًا، فقال: ما باله بهذا الثمن؟ قالوا: فيه عيوب وقت الحاجة يصير حرونًا (١)، إنْ طُلِب لم يُلحق، وإنْ طَلَبَ لَحِق. فاشتراه بأربعين، وجاء عند أُذن البرذون، وقال: أيها البرذون إني (٢) قد تركت عيوبي فاترك أنت أيضًا عيوبك. فحرك البرذون رأسه، فغزا على البرذون، ولم يفعل البرذون شيئًا مما كان عليه (٣).

كان السلف الصالح إذا رأى الأخ أخاه يوصيه بثلاث: مَنْ عمِل لآخرته كفاه الله أمر دنياه، ومَن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومَن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس (٤).

واسمع قوله تعالى: ﴿وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (٨٩) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين﴾ [الأنبياء: ٨٩ - ٩٠].

ثم اعلم بأن للرجال على النساء حقوقًا، ولهن أيضًا على بعولهن حقوقًا.

ورُوي: أنَّ مِنْ حق الزوج على زوجته أن لا تمنعه نفسها، ولو كانت


(١) دابة حرون: التي إِذا استُدِرَّ جَرْيُها وقَفَتْ. وفَرَسٌ حَرُونٌ: لا يَنْقادُ، وإِذا اشْتَدَّ به الجَرْيُ وَقَفَ. «لسان العرب» مادة: حرن.
(٢) في (خ): أنا.
(٣) لم أجده. وأبو الليث هو الفقيه الحنفي: نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي (ت: ٣٧٣) ، ولم أجد هذا النقل في «تفسيره»، ولا في «تنبيه الغافلين»، فلعله في «بستان العارفين»، أو غيره، والله أعلم.
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٣٦١٣٥، ٣٦٦٢١)، وهناد في «الزهد» (٥٢٨) عن أبي عون وهو محمد بن عبيد الله بن سعيد، أبو عون الثقفي الكوفي الأعور قال: كان أهل الخير إذا التقوا يوصي بعضهم بعضًا بثلاث، وإذا غابوا كتب بعضهم إلى بعض بثلاث: من عمل لآخرته كفاه الله دنياه، ومن أصلح ما بينه وبين الله كفاه الله الناس، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته.

<<  <  ج: ص:  >  >>