للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أضاف المولى المساجد لنفسه صارت خير البقاع، فتنزه عن دخول الصبيان والمجانين، ولا يقام فيها الحدود، ولا يعمل فيها من معايش الدنيا، ولا يقام أحد ويجلس مكانه، ولا يحوز مكانًا لنفسه ببَسْطِ البسط والخرق والرقاع، ولا يكثر كلام الدنيا ويغتاب، أو يرقص، أو يغني في المساجد إلا من أعمى الله قلبه وفرغه من التقوى والاطلاع، ولا ينشد فيها الضالة، ولا ما ذهب له من المتاع؛ بل يتحسر العبد على ما ذهب من عمره في الغفلة والبدعة وضاع، ولا يبيع العبد في بيت سيده ولا يشتري، فإن فعل فهو عبد خارج عن السنة مفتري، وسلعته بائرة؛ لأن المساجد من أسواق الآخرة، ولذلك قال المولى الغفور: ﴿يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ [فاطر: ٢٩]. فمن انتهى عن ما تقدم ذكره عظمه الله تعالى، وحصل له المطلوب، وتعظيم المساجد من تقوى القلوب.

روى الصحابة أن النبي كان إذا دخل وقت الصلاة كأنه لم يعرفنا ولم نعرفه (١).


= شيء». ثم أتاني رجل فقال: يا عمران! أدرك ناقتك، فقد ذهبت. فانطلقت أطلبها، فإذا السراب ينقطع دونها، وأَيم الله لوددتُ أنها قد ذهبت ولم أقم.
وقد شرح هذا الحديث شرحًا مجوَّدًا حسنًا شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من كتبه، وقال في «الصفدية» ٢/ ٢٢٣: «زادَ فيه كثير من المتأخرين: «وهو الآن على ما عليه كان» ومنهم من يظن أن هذا من كلام النبي ، مع أن هذا لم يروه أحد عن النبي لا بإسنادٍ صحيح ولا ضعيفٍ». وقال في «مجموع الفتاوى» ١٨/ ٢٢١: «وهذه الزيادة إنما زادها بعض الناس من عنده، وليست في شيء من الروايات. ثم إن منهم من يتأولها على أنه ليس معه الآن موجود، بل وجوده عين وجود المخلوقات، كما يقوله أهل وحدة الوجود الذين يقولون: عين وجود الخالق هو عين وجود المخلوق. كما يقوله ابن عربي، وابن سبعين، والقونوي، والتلمساني، وابن الفارض، ونحوهم. وهذا القول مما يعلم بالاضطرار شرعًا وعقلًا أنه باطل».
وهذه الزيادة الباطلة جعلها ابن عطاء الله الإسكندري من الحِكَم، فذكرها في «حِكَمه» رقم: (٣٧)! (ت)
(١) ذكره الغزالي في «الإحياء» ١/ ٢٩٢ من حديث عائشة . وذكره السبكي في أحاديث الإحياء التي لم يجد لها إسنادًا. وقال العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء» (٣٩٩): أخرجه الأزدي في «الضعفاء» من حديث سويد بن غفلة مرسلًا، بلفظ: كان النبي إذا سمع الأذان كأنه لا يعرف أحدًا من الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>