للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والغفلة في غير المساجد مصيبة عظيمة، فما بالك في المسجد! وإن اتفق ذلك في مكة فيكون أشد مقتًا؛ لتضاعف السيئات فيها؛ لأنها من الأماكن الشريفة، والغافل لا يقدر على إقامة الوظيفة. وقد ترك المجاورة بمكة عبد الله بن عباس وهو من خيار الناس، وكان يقول: ما لي ببلد تضاعف فيها السيئات كما تضاعف الحسنات (١). ولما حجَّ عمر بن الخطاب نهى الناس عن المجاورة (٢).

وكره المجاورة جماعة من العلماء، ومن جملتهم أبو حنيفة (٣)، ونسأل الله اليقظة والمسامحة بقدرته اللطيفة فكرهوا المجاورة لخوف قصورهم عن القيام بحقها، ومن التضجر، وزوال عظمتها من قلوبهم، فيحجبون لأجل ذلك عن محبوبهم، ولم يصلوا إلى مطلوبهم.

قال بعض المشايخ لأصحابه حين قدموا إلى مكة المشرفة: لا يصلح دخول هذا البيت إلا لمن عرف صاحبه.

ونسأل الله العظيم أن يجعلنا من أهل المعرفة، ويرزقنا اليقظة والمجاورة والوقوف بعرفة، فاليقظة في هذه الأماكن أجر كريم، والغفلة فيها خطر عظيم، فالحق سبحانه ما أضاف المساجد لنفسه إلا للتعظيم، تعالى الله سبحانه أن يحتاج إلى بيت أو مكان، أو أن تحصره الأكوان. كان الله تعالى قبل خلق السماوات والأرض غنيًّا عن المكان والزمان، وهو الآن على ما عليه كان (٤). أيخلق شيئًا ويحتاج إليه؟ فمن اعتقد ذلك فقد افترى عليه. فلما


(١) لم أقف عليه.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (١٣٤٥٥)، والفاكهي في «أخبار مكة» (١٤٩٥)، والأزرقي في «أخبار مكة» ٢/ ٥١٥ من طرق ضعيفة.
(٣) انظر البحر الرائق لابن نجيم الحنفي ٢/ ٣٧٨.
(٤) هذا لا أصل له وإنما زاده بعضهم في الحديث الذي أخرجه البخاري (٣١٩١) و (٧٤١٨) عن عمران بن حصين قال: إني عند النبي إذ جاءه قوم من بني تميم، فقال: «اقبلوا البشرى يا بني تميم!» قالوا: بشرتنا، فأعطنا! فدخل ناس من أهل اليمن، فقال: «اقبلوا البشرى يا أهل اليمن، إذ لم يقبلها بنو تميم!» قالوا: قبلنا، جئناك لنتفقَّه في الدين، ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان؟ قال: «كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض، وكتب في الذكر كل =

<<  <  ج: ص:  >  >>