للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد ورد في الأحاديث والأخبار، قال : «إن الله لا ينظر إلى لباسكم ولا لصوركم، ولكن ينظر لقلوبكم وأعمالكم» (١)، فمن خشَّن ثوبه، ولم يخشِّن حاله؛ فليس بشيء.

قال الشيخ أبو سليمان الداراني : يلبس أحدهم عباءة بثلاثة دراهم، وشهوته في بطنه بخمسة دراهم (٢).

ورأت عجوز شبابًا عليهم ثياب الصوف وهم جلوس يتضاحكون، فقالت: سبحان الله! زي الصالحين وأفعال الجاهلين. أنكرت عليهم لقلة التناسب.

ثم اعلم بأن لبس ما خشن من الثياب له أصل في الشرع، وكذلك لبس الصوف والمرقعات، من الصحابة من فعل ذلك لحاجة، وهم أهل الصُّفَّة، ومنهم من فعله من غير حاجة، بل تواضعًا لعظمة الله سبحانه؛ وهو عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، ومن تابعهما من أولي الألباب، أجمعين ما طلع نجم وغاب.

فمن فعل ذلك ولم يبتدع بل فعله إهانةً لنفسه، لكي لا تلبس الجديد وتخالفَ المولى المجيد، وتأكل الطعام اللذيذ ثم تصرفه في معصية الله تعالى وفيما لا يريد. فمن كانت هذه نيته جعله الله تعالى من عباده المتقين، وألحقه بالطائفة المباركة عن يقين. وأما التشبه بالظاهر فقط فلا. وأنشد (٣):

إذا المرء لم يلبس ثيابًا من التقى … تقلب عريانًا وإن (٤) كان كاسيًا

وخير خصال العبد طاعة ربه … فلا خير فيمن كان لله عاصيًا


(١) أخرجه أحمد في «مسنده» ٢/ ٢٨٤ (٧٨٢٧)، ومسلم في «صحيحه» (٢٥٦٤) (٣٤)، وابن ماجه في «سننه» (٤١٤٣)، من حديث أبي هريرة ، ولفظه: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم». ولم نجده بلفظ: لباسكم.
(٢) أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» ٩/ ٢٦٠.
(٣) في (خ): (وأنشدوا في المعنى). والبيتان لأبي العتاهية.
(٤) في (خ): ولو.

<<  <  ج: ص:  >  >>