للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: ٤]. وكَسَرَ الكفارُ ثَنِيَّتهُ، وشجوا جبينه، فدعا لهم واعتذر عنهم؛ وقال: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» (١).

وقد جعل الله تعالى لكل نبي دعوة مستجابة، فكل منهم تعجل دعوته في الدنيا، واختبأ (٢) دعوته (٣)؛ وهي شفاعته لأمته، فآثر أمته على نفسه. والفتوة هي الإيثار، واتباع النبي المختار، والصحابة الأخيار، والمسلمين الأبرار، فاسلك مسالكهم، وانهج مناهجهم، وألق عصاك فهذا جانب الوادي، فقد جعل الله الخير كله اتباع هؤلاء الأخيار، والنار لمن خرج عن طريق القوم وجار، بذلك نطقت الآيات وجاءت الأخبار.

قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: ١١٥].

وقد صح في الأخبار أن أمة محمد تفترق يوم القيامة على ثلاثٍ وسبعين فرقة: فرقة ناجية، وهم التابعون للنبي المختار والصحابة الأخيار،


(١) أخرجه أحمد في «مسنده» ١/ ٣٨٠ (٣٦١١)، والبخاري في «صحيحه» (٣٤٧٧)، ومسلم في «صحيحه» (١٧٩٢)، وابن ماجه في «سننه» (٤٠٢٥) من حديث ابن مسعود قال: لكأني أنظر إلى رسول الله يحكي نبيًّا ضربه قومه؛ فهو يمسح عن وجهه الدم، ويقول: «ربي اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».
وأما رواية كسر ثنيته صراحة؛ أخرجه أحمد في «مسنده» ٣/ ٢٠١ (١٣٠٨٣)، وعبد بن حميد في «مسنده» (١٢٠٤)، ومسلم في «صحيحه» (١٧٩١)، وابن ماجه في «سننه» (٤٠٢٧)، والترمذي في «جامعه» (٣٠٠٢)، والنسائي في «السنن الكبرى» (١١٠٧٧) من حديث أنس قال: كسرت رباعية رسول الله يوم أُحُد، وشُجَّ فجعل الدم يسيل على وجهه، ومسح الدم عن وجهه ويقول: «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى الإسلام». فأنزل الله : ﴿لَيسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾.
(٢) في (ط): واجتبى.
(٣) أخرجه أحمد في «مسنده» ٣/ ١٣٤ (١٢٣٧٦)، ومسلم في «صحيحه» (٢٠٠) (٣٤١) من حديث أنس أنَّ نبيَّ الله قال: «لكلِّ نبي دعوة دعاها لأمته، وإني اختبأت دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة».

<<  <  ج: ص:  >  >>