للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نيام، وألقى نفسه للنيران، ووجَّه قلبه للرحمن، وسمح (١) بولده للقربان (٢)، وبنى كعبة الرحمن (٣)، وقالت له الملائكة حين زُجَّ في النار: ألك حاجة يا إبراهيم؟ قال: أما إليكم فلا؛ ويكفي في علمها الواحد المنان (٤)، وهذه هي الفتوة والجود والإحسان، فلا تكذب على القوم ولا تبتدع، وأفق من سكرتك أيها الإنسان.

وأما فتوة سيد العباد، فقد حاز جميع ذلك وزاد؛ قام في خدمة مولاه حتى تورمت قدماه (٥)، ووالله ما بخلت يداه، آثر بقوته، وتصدق بقميصه (٦)، فعطاؤه جزيل، وخلقه جميل، وقد مدحه المولى الجليل بقوله


(١) في (خ): وسنح.
(٢) يشير لقوله تعالى: ﴿فلما أسلما وتله للجبين﴾.
(٣) يشير لقوله تعالى: ﴿وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسمعيل﴾.
(٤) قال الألباني في «السلسلة الضعيفة» (٢١): لا أصل له. وانظر: «المجموع» لابن تيمية ١/ ١٨٣ و ٨/ ٥٣٩.
(٥) أخرجه الحميدي في «مسنده» (٧٥٩)، وأحمد في «مسنده» ٤/ ٢٥١ (١٨١٩٨)، والبخاري في «الصحيح» (١١٣٠)، ومسلم في «صحيحه» (٢٨١٩)، وابن ماجه في «سننه» (١٤١٩)، والترمذي في «جامعه» (٤١٢)، وفي «الشمائل» (٢٦١)، والنسائي في «المجتبى» ٣/ ٢١٩ (١٦٤٤)، وفي «السنن الكبرى» (١٣٢٥)، وابن خزيمة في «صحيحه» (١١٨٢) من حديث المغيرة بن شعبة قال: قام رسول الله حتَّى تورمت قدماه؛ فقيل: يا رسول الله، قد غُفِرَ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. قال: «أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا؟».
(٦) أخرجه أحمد في «مسنده» ٥/ ٣٣٣ (٢٢٨٢٥)، وعبد بن حميد في «مسنده» (٤٦٢)، والبخاري في «صحيحه» (١٢٧٧) وابن ماجه في «سننه» (٣٥٥٥)، والنسائي «السنن الكبرى» (٩٦٥٩) عن سهل بن سعدٍ قال: جاءت امرأة ببردة، فقال سهل: هل تدرون ما البردة؟ قالوا: نعم. هذه الشملة منسوج في حاشيتها فقالت: يا رسول الله، إني نسجت هذه بيدي أكسوكها فأخذها رسول الله محتاجًا إِليها، فخرج إلينا وإنها لإزاره، فجاء رجل من القوم فقال: يا رسول الله، اكسُنيهَا. قال: «نعم» فجلس ما شاء الله في المجلس، ثم رجع فطواها، ثم أرسل بها إليه، فقال له القوم: ما أحسنت، سألتها إياه وقد عرفت أنه لا يرد سائلًا. قال الرجل: والله ما سألتها إلا لتكون كفني يوم أموت، قال سهل فكانت كفنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>