للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان الحسن البصري يقول: والله إنه ثقيل مبارك، يُثقل الله به ميزان العبد يوم القيامة (١). فالحمل ثقيل والعبد ضعيف، ومما يدلك على ضعفه: كيف لا يستطيع غض البصر، ولا ينتفع بالمنظور ويخالف الآية والخبر؟ فيعصي المولى الجليل، وفي أكثر أوقاته إلى البدع والمعاصي يميل، فلما كان طبعه الميل، قال المولى: ﴿فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ﴾ [النساء: ١٢٩].

فلا يزال الضعيف يقع ويميل حتى يدركه المولى الجليل، فمتى قام العبد بنفسه سقط، وإذا أقامه الحق يثبت (٢)، قال الله تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ﴾ [إبراهيم: ٢٧]. وكان يقول: «يا مثبت القلوب ثبت قلبي على طاعتك» (٣).

فالقلوب بيد المولى المجيد، يقلبها كيف يريد، فقلبٌ (٤) لا يصلح لخدمته؛ ابتلي بحب البدع، وصحبة العبيد كما تقدم، من لم تفتح له المنازل، رضي بالمزابل.

خرجت امرأة تريد المجاورة بمكة المعظمة فزارت ورجعت، فقيل لها: لم تركت المجاورة؟ قالت: ما صلحت للخدمة. فما سمي الإنسان إنسانًا إلا لأنه يحب الأنس، فمن لم يأنس بالله تعالى، أنس بغيره.

وقال قائلهم (٥):

أنست بوحدتي فلزمت بيتي … فطاب الأنس لي ونما السرور


(١) لم أقف عليه من كلام الحسن، وأخرجه الطبري في «تفسيره» ٢٣/ ٦٨٢ من كلام ابن زيد.
(٢) في (ق): ثبت.
(٣) أخرجه أحمد في «مسنده» ٤/ ١٨٢ (١٧٦٣٠) وقال: «يا مقلب القلوب»، وابن ماجه في «سننه» (١٩٩)، والنسائي في «السنن الكبرى» (٧٧٣٨) من حديث النواس بن سمعان . وفي الباب عن أنس ، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (٧٩٨٨).
(٤) في (ق، ب): فأي قلب.
(٥) في (ط): أنشد لبعضهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>