وأخرج الحاكم في «المستدرك» ٤/ ١٩١: عن أبي عمران الجوني: أنَّ أنس بن مالك ﵁ حدَّثه قال: ما أشبهتُ الناس اليومَ في المسجدِ وكثرةَ الطيالسة؛ إلا بيهود خيبر. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ومعناه: الطيالسة المصبَّغة فإنَّها لباس اليهود. وقال ابن الحاج في «المدخل» ١/ ١٤٥: وقد ورد في الطيلسان أنه ريبةٌ بالليل ومذلة بالنهار، وقد ورد أن أحبار اليهود إنما كانوا يُعرفون في زمان نبينا ﷺ بصفة هذا الطيلسان اليوم، فيكون ذلك تشبهًا بهم. ثم قال: وأما الطيلسان المعهود في هذا الزمان فيكره لما تقدم ذكره، فإن كان لضرورة كحرٍّ أو بردٍ، فلا بأس به، لكن بشرط أن لا يتكلَّف هذا التكلف الذي يفعله بعض الناس اليوم فيه، وما لم يخرج به إلى حدِّ هذا الكبر الشنيع. وذكر صديق حسن خان في «حسن الأسوة» ٢٠٦ قوله تعالى: ﴿يا أيها النبي قُلْ لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين﴾ [الأحزاب: ٥٩]، فقال: استنبط بعض أهل العلم من هذه الآية أن ما يفعله علماء هذا الزمان في ملابسهم من سعة الأكمام، والعمة، ولبس الطيلسان حسنٌ، وإن لم يفعله السلف، لأن فيه تمييزًا لهم، وبذلك يعرفون فيلتفت إلى فتاواهم وأقوالهم. قال السبكي: ومنه يعلم أن تمييز الأشراف بعلامةٍ أمر مشروع أيضًا. انتهى. وأقول: ما أبرد هذا الاستنباط وأبعده، وما أقل نفعه وجدواه، لا سيما بعد ما ورد في السنة المطهرة من النهي عن الإسراف في اللباس، وإطالته، وقد منع من ذلك سلف الأمة وأئمتها، فأين هذا من ذاك، وإنما هو بدعة قبيحة شنيعة، مردودة على صاحبها، أحدثها علماء السوء ومشايخ الدنيا، ومن هنا قال على القاري في معرض الذمِّ لأهل مكةَ: لهم عمائم كالأبراج، وكمائم كالأخراج. وما ذكره من أن زي العلماء والأشراف في هذا الزمان سنةٌ؛ ردَّه ابن الحاج في «المدخل» بأنه مخالف لزيهم في زمن النبي ﷺ، وزمن الخلفاء الراشدين، ومن بعدهم من خير القرون، فإن قيل: إنهم به يعرفون! قيل: إنهم لو بقوا على الزي الأول لعرفوا به أيضًا، لمخالفته لما عليه غيرهم الآن. وانظر: «أحكام أهل الذمة» لابن القيم ٣/ ١٢٩٥. (ت)