للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى من الآيات والأذكار، واقرأ قوله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: ٥٨].

فافرح أيها المملوكُ بهدايا الملوك، وقل: ما آتاني الله خير مما آتاكم. أعطاهم شيئًا فانيًا، وخصك بما يبقى.

ثم اعلم بأن الله تعالى شبه القرآن العظيم بالميراث؛ ألا ترى أن بعضهم يرث من ميته جميع ماله، ومنهم من يرث النصف، ومنهم من يأخذ الربع، وآخر نصيبه الثلث، ومنهم من يرث السدس، وآخر يأخذ الشيء اليسير، وبذلك كله حكم المولى القدير، ومنهم من لا يأخذ شيئًا. كذلك القرآن العظيم؛ فلو تعلم القارئ أحكام القرآن ما وقع في ظلمات الجهل وكان حبيب الباري.

فإن احتج أحدٌ من هؤلاء المبتدعين الذين يتواجدون (١) عند ذكر الله تعالى وتلاوة كتابه؛ فيقومون ويصرخون ويتمايلون أو يرقصون بقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ [السجدة: ١٩١]، يقال لهم: جهلتم تفسير الآية، ليس هذا الدليل يرضي المولى الجليل. وتفسيرها قوله لعمران بن حصين، وكان به بواسير فسأل النبي فقال: «صلِّ


(١) الوجد: الحزن، يقال: وجَد الرجلُ وَجْداً بالفتح ووَجِد حَزِنَ، وتَوَجَّدْتُ لفلان، أَي حَزِنْتُ له. ثم استعمله الصوفية في مصطلحاتهم، وهو على ثلاثة مراتب: التواجد الوجد والوجود. فالتواجد استدعاء الوجد بنوع من الاختيار، وليس لصاحبه كمالَ الوجد لأنه غير متكلف. والوجد وجمعه المواجيد ما يصادف القلب، ويرد عليه بلا تكلف ولا تصنع، وقيل: هي بروق تلمع ثم تخمد سريعًا، والوجود فقدان العبد بمحاق أي: بزوال أوصاف البشرية، ووجود الحق، لأنه لا بقاء للبشرية عند ظهور سلطان الحقيقة، فالتواجد بداية، والوجود نهاية، والوجد واسط بين البداية والنهاية. والوجد والتواجد هو نتيجة سماع شيء مثير للوجدان كالقرآن والمدائح والغناء، فعند السماع يحصل لهم هيجان وثوران، وتمايل ورقص وحركات بهلوانية حتى يفعل الواحد منهم أفعالًا لا يستطيعها في غير هيجانه، أي: حضوره ووجده. وهذا كله من بدع الصوفية وسخافاتهم. وقال الغزالي في «إحيائه» ٣/ ٢٣٧: يثمر السماع حالة في القلب تسمى الوجد، ويثمر الوجد تحريك الأطراف، إما بحركة غير موزونة فتسمى الاضطراب، وإما موزونة فتسمى التصفيق والرقص!

<<  <  ج: ص:  >  >>