للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خدمة الملك المعبود، فيضطرب الجسد من الخوف. قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال: ٢].

قال العلماء: حقيقة الوجل سكون الجوارح من خوف الله، وهو أن يدخل القلب من أنوار الذكر، فتندرج فيه الأعضاء والجوارح، وتسكن في خلو ذلك النور، فلا يحس جليسه باضطرابه، وهكذا كانت الصحابة عند سماع القرآن، وكذلك التابعون لهم بإحسان.

وافهم قول عرباض بن سارية، قال: وعظنا رسول الله موعظةً بليغة، زَرَفَتْ منها العيون، ووجلت منها القلوب (١). ولم يقل: صرخنا من موعظته، ولا رقصنا، ولا ضربنا بأيدينا، ولا بصدورنا، ولا شققنا ثيابنا، ولا جبذنا لحانا، ولا أطرقنا برؤوسنا؛ لأن الخشوع هو في القلب، لا في الرأس.

فمن تخشع بقالبه دون قلبه، هو منافق لا موافق.

قال أبو الدرداء : تعوذوا بالله من خشوع النفاق. قالوا: وما خشوع النفاق؟ قال: أن يخشع الجسد والقلب ليس بخاشع (٢).

كما يفعله الجاهلون والمبتدعون، فيصرخون عند المواعظ وقراءة القرآن، ويتخبطون ويتغاشون، وهذه الأشياء وما يقربها من الشيطان.


(١) أخرجه أحمد في «مسنده» ٤/ ١٢٦ (١٧١٤٤)، والدارمي في «سننه» (٩٥)، وأبو داود في «سننه» (٤٦٠٧)، وابن ماجه في «سننه» (٤٢)، والترمذي في «جامعه» (٢٦٧٦)؛ من حيث العرباض بن سارية قال: صلى بنا رسولُ الله ذات يوم، ثمّ أقبل علينا بوجهه، فوعَظَنا موعِظةً بَليغةً، ذَرَفتْ منها العيون، ووَجِلت منها القلوبُ، فقالَ رجل: يا رسولَ الله، كأنَّ هذه موعظةُ مودِّعٍ، فماذا تَعْهدُ إلينا؟ قال: «أُوصيكم بتقْوى الله، والسَّمعِ والطاعة، وإنْ عَبْدًا حبشيًّا، فإنه من يَعِشْ منكم بعدي فسيَرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنّتي وسنّةِ الخلفَاءِ الراشِدينَ المهديِّينَ، تمسكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجِذِ، وإياكم ومُحدثاتِ الأمورِ، فإنَّ كلَّ مُحدثَةٍ بدْعةٌ، وكل بدْعَةٍ ضَلَالَة».
قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح.
وقال الألباني في «الصحيحة» (٩٣٧): هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٣٦٨٦١)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٦٩٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>