للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد ثبت عند المحققين أن كل عمل لا يوافق الكتاب والسنة فهو موافق لهوى النفس التي ترى القبيح حسنًا. قال المولى: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [فاطر: ٨].

وقال : «من أحب سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة» (١)، فمن أراد المرافقة فعليه بالموافقة.

روى البخاري في كتاب الصلاة عن أم الدرداء قالت: دخل علي أبو الدرداء مغضبًا فقلت له: ما لك؟ فقال: والله ما أعرف فيهم شيئًا من أمر محمد إلا أنهم يصلون جميعًا (٢). وكان اسم أبي الدرداء عويمر، وكان من أكابر الصحابة وعلمائها، وكان قاضي المسلمين بدمشق في خلافة عثمان وعن جميع المسلمين، وحضر فتح قبرص، وشهد مع النبي مشاهد كثيرة، فلما قتل المسلمون الكفار بقبرص بكى أبو الدرداء فقيل له: تبكي في مثل هذا اليوم، هذا يوم عيد؟ قال: يا هذا، ما أهون الخلق على الله إذا لم يطيعوا أمره (٣).

فأنكر هذا السيد أكثر أفعال أهل عصره، وهو الصدر الأول، فما بالك بزماننا هذا؟ وكان قد ولاه القضاء بدمشق عمر بن الخطاب فقال يومًا لأهل دمشق: ما لي أرى علماءكم يذهبون، وجهالكم لا يتعلمون، وأراكم قد أقبلتم على ما تُكُفِّلَ لكم به وتركتم ما أُمرتم به، ألا إن قومًا بنوا شديدًا، وجمعوا كثيرًا، وأملوا بعيدًا، فأصبح بنيانهم قبورًا، وأملهم غرورًا، وجمعهم بورًا، ألا فتعلموا وعلموا، فإن العالم والمتعلم في الأجر سواء. ولا خير في الناس بعدهما (٤).


(١) سبق تخريجه.
(٢) أخرجه أحمد في «مسنده» ٥/ ١٩٥ (٢١٧٠٠)، والبخاري في «صحيحه» (٦٥٠).
(٣) أخرجه أبو نعيم في «الحلية» ١/ ٢١٦، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» ٤٧/ ١٨٦.
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٣٥٧٢٣)، وأحمد في «الزهد» (ص ١٤٣)، وأبو نعيم في «الحلية» ١/ ٢١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>