فلما ظهر النفاقُ والبدعُ والفجورُ المخالف لدين الرسول سُلِّطتْ عليهم الأعداءُ، فخرجت الروم النصارى إلى الشام والجزيرة مرةً بعد مرةٍ، وأخذوا الثغور الشامية شيئًا بعد شيءٍ، إلى أن أخذوا بيتَ المقدس في أواخر المئة الرابعة، وبعد هذا بمدة حاصروا دمشقَ، وكان أهل الشام بأسوإِ حال بين الكفار النصارى والمنافقين الملاحدة، إلى أن تولَّى نور الدين الشهيد، وقام بما قام به من أمر الإسلام وإظهاره، والجهاد لأعدائه، ثم استنجد به ملوكُ مصر بنو عُبيد على النصارى فأنجدهم، وجرت فصول كثيرة، إلى أن أخذت مصر من بني عبيد، أخذَها صلاح الدين يوسف بن شادي، وخطب بها لبني العباس، فمن حينئذٍ ظهر الإسلام بمصر، بعد أن مكثت بأيدي المنافقين المرتدِّين عن دين الإسلام مئتَي سنة.
فكان الإيمانُ بالرسول والجهاد عن دينه سببًا لخير الدنيا والآخرة، وبالعكس البدعُ والإلحادُ ومخالفة ما جاء به سبب لشر الدنيا والآخرة. فلما ظهر في الشام ومصر والجزيرة الإلحادُ والبدعُ سُلِّط عليهم الكفار، ولما أقاموا ما أقاموه من الإسلام وقهر الملحدين والمبتدعين نصرهم الله على الكفار، تحقيقًا لقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣)﴾ [الصف].
وكذلك لما كان أهل المشرق قائمين بالإسلام؛ كانوا منصورين على الكفار المشركين من الترك والهند والصين وغيرهم، فلما ظهر منهم ما ظهر من البدع والإلحاد والفجور سُلِّط عليهم الكفار؛ قال تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (٥) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (٦) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا