للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قال قائل: أنا ما سمعت قط دعاء الملائكة ولا رأيتهم. يقال له: يكفيك سماع رسول الله وتبليغه ذلك إليك صدقةً منه عليك يثقل الله تعالى بها ميزانك، وتكون نورًا يسعى بين يديك، فبالصلاة وصل العمال، وهي عند الله سبحانه من أفضل الأعمال، وقام في خدمة مولاه حتى تورمت قدماه (١)، كذا جاء في الخبر.

ورأى بعضهم الجنيدَ بعد موته في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟ قال: ذهبت تلك الإشارات، وتلاشت تلك العبارات، وما نفعنا إلا رُكيعات كنَّا نركعها في السَّحَر (٢). فقد علمت أن الصادق الأمين رأى الله تعالى وملائكته وسمع كلامهم، وكلام الروح الأمين، وسمع أيضًا كلام الملائكة بعض الصالحين، صح ذلك عن سيد المرسلين (٣). فكن مصدقًا بكرامات المؤمنين، ومتبعًا لخير النبيين، لكي يبعثك الله تعالى يوم القيامة من


(١) أخرجه الحميدي في «مسنده» (٧٥٩)، وأحمد في «مسنده» ٤/ ٢٥١ (١٨١٩٨)، والبخاري في «الصحيح» (١١٣٠)، ومسلم في «صحيحه» (٢٨١٩) (٧٩)، وابن ماجه في «سننه» (١٤١٩)، والترمذي في «جامعه» (٤١٢)، وفي «الشمائل» (٢٦١)، والنسائي في «المجتبى» ٣/ ٢١٩ (١٦٤٤)، وفي «السنن الكبرى» (١٣٢٥)، وابن خزيمة في «صحيحه» (١١٨٢) من حديث المغيرة بن شعبة، قال: قام رسول الله حتَّى تورمت قدماه؛ فقيل: يا رسول الله، قد غُفِرَ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. قال: «أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا».
(٢) أخرجه أبو نعيم في «الحلية» ١٠/ ٢٥٧، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٣٢٥٦).
(٣) يشير إلى حديث سؤال جبريل النبيَّ عن الإيمان والإسلام والإحسان، وقد سمع الحاضرون من الصحابة كلامه وصوته كما في «الصحيحين». ولا شكَّ في رؤية النبيَّ لبعض الملائكة، ومنهم جبريل ، وسماعه كلامهم. أما رؤيته لربِّ العالمين: فالصحيح الذي يبنغي الجزم به أنَّه لم يرَ ربَّه ﷿. أخرج مسلم في «صحيحه» (١٧٩) عن عبد الله بن شفيق قال: قلت لأبي ذر: لو رأيتُ رسول الله لسألته، قال: عما كنت تسأله؟ قال: إذن لسألته هل رأى ربه؟ فقال: قد سألته أنا. قلت: فما قال؟ قال: «نورٌ أنَّى أراه». وفي رواية: «رأيتُ نورًا». وأخرج البخاريُّ (٢٣٣٤) عن عائشة قالت: من زعم أن محمدًا رأى ربَّه فقد أعظم الفرية على الله. لهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وليس في الأدلة ما يقتضي أنه رآه بعينه، ولا ثبتَ ذلك عن أحدٍ من الصحابة، ولا في الكتاب والسنة ما يدل على ذلك، بل النصوص الصحيحة على نفيه أدلُّ. (مجموع الفتاوى: ٦/ ٥٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>