للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال حذيفة : كل عبادة لم يتعبَّدْها أصحابُ النبي فلا تَعَبَّدُوها؛ فإن الأول لم يدع للآخر مقالًا (١).

وقال الأوزاعي : إن من ابتدع بدعةً خلَّاه الشيطان والعبادة، وألقى عليه الخشوع والبكاء يصاد به وهذا استدراج (٢). قال الله تعالى: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [القلم: ٤٤] الآية.

فما أسرع نفوس الغافلين لما (٣) يبعدها عن النفوذ إلى الله تعالى، وما أقعدها عن شيء يقربها إليه، وهو الخروج عن الطريقة المحمدية، والدخول في البدعة الردية، فمن خرج عن طريق سيد الأمم فقد زلَّت به القدم، وسيندم ندمًا لا آخر بعده، ولن ينفعه ذلك الندم، قال المولى الحليم: ﴿فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٠٩]، فترى العاصي والمبتدع أكثر اجتهادًا من الطائع والمتبع، فيمحق الليل كله في المعصية، والطائع لا يقدر على قيام بعضه، إلا بمعونة الله وفضله.

وبعض المبتدعين يتجمع على الباطل مثل اللعب بالنرد والشطرنج والقمار والرقص على آلة الطرب: كالشبابة، أو الكف، والطار، لا يمل من هذه البدع الملعونة الخارجة عن طريق النبي ، وعن طريق الصحابة الأخيار، والمؤمنين الأبرار، وبعضهم يعطي الكثير في هوى نفسه، ولا ينفق القليل في رضى الواحد القهار خوفًا من القلة والافتقار. وعند المعاصي لا يخاف الفقر ولا يخشى القلة ولا عنده خبر من العار، ولا من عذاب النار.

فانظر رحمك الله كيف يجتهد العاصي في معصيته؛ مع علمه أن الله


(١) ذكره الشاطبي في «الاعتصام» ١/ ٤١٨.
(٢) ذكره الشاطبي في «الاعتصام» ١/ ٩٠.
(٣) في (خ): فما.

<<  <  ج: ص:  >  >>