للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحدًا وخذله إلا لقلة المتابعة، فدع عنك الجدال في هذا الباب والمنازعة؛ لا يصح لأحدٍ دعوى المحبة إلا بالمبادرة لطاعة المحبوب، وببركة المتابعة حصل لهم المطلوب.

قال المولى الكريم: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: ٣١] وقال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ٦٤].

فالأصل في جميع الأعمال والأقوال والأحوال هو اتباع الرسول، فما فات السالك الوصول إلا لتضييعه الأصول؛ لأن الله تعالى لا يحب أحدًا يأتيه إلا من طريق نبيه وحبيبه وإلا رده خائبًا.

قال رسول الله : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ»، وكلما اجتهد المبتدع في بدعته أبعده الله تعالى من رحمته، قال الله سبحانه: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ [الكهف: ١٠٣ - ١٠٤] وقال تعالى: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا﴾ [فاطر: ٨].

وقالوا فيمن هذه صفاتهم:

يا غاديًا في جهله ورائحًا … إلى متى تستحسن القبائحا

يا عجبًا منك وأنت مبصر … كيف تجنبت (١) الطريق الواضحا

وقال بعض الصحابة: أشدُّ الناس عبادة المفتون. واحتج بقوله في الخوارج: «يحقر أحدكم صلاته في صلاته وصيامه في صيامه، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية» (٢).


(١) في (ط): تجتنب.
(٢) أخرجه أبو داود في «الزهد» (٤١٦)، وابن وضاح في «البدع» (٦٢ - ٦٣) عن رجل من أصحاب النبي أنه قال: «أشد الناس عبادة مفتون». وليس في الأثر احتجاج ذلك الصحابي بالحديث المرفوع، وقد ذكر الشاطبي في «الاعتصام» ١/ ٩٠ الاحتجاج بهذا الحديث، وهو صحيح أخرجه أحمد في «المسند» ٣/ ٦٥ (١١٦٢١)، والبخاري في «صحيحه» (٦١٦٣)، ومسلم في «صحيحه» (١٠٦٤) (١٤٨) من حديث أبي سعيد .

<<  <  ج: ص:  >  >>