اتبع السنة، فاقتدوا ولا تعتدوا. قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾ [النور: ٥٤] وقد قيل لك: إن كنت تسمع اقتدِ ولا تعتدِ، وقد كُفيت؛ لأن المقتصد في السنة خير عند الله تعالى من المجتهد في البدعة. فاتبعوا الآثار؛ فبهذه الألفاظ نطقت الآيات وجاءت الأخبار. فمن سمع وأجاب حشره الله تعالى مع متبوعه، وصار من الأحباب. ومن سمع وأعرض أعرض الله عنه فتعس وخاب. ومن كان حيًّا سمع. قال الله تعالى: ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا﴾ [يس: ٧٠] وميت القلب لا يسمع؛ قال المولى (١): ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ [الروم: ٥٢].
وقالوا فيمن هذه صفته:
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيًّا … ولكن لا حياةَ لمن تنادي
فمن الناس أناس قد رسخت البدع في قلوبهم، وألفتها نفوسهم، ومزجت بلحومهم وعروقهم ودمائهم؛ لارتكابهم إياها على طول المدى، فلو سمع أحدهم ألف آية لم ينزل عنها أبدًا. قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [الزمر: ٢٣] وفي آية أخرى: ﴿وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ [الكهف: ١٧] فمن لطف الله به اتبع واقتدى، ومن نكبه ابتدع واعتدى، وألقى نفسه للمهالك والردى، والله سبحانه لا يحب المعتدين، ولا يهدي كيد الخائنين.
والمبتدع هو خائن، ومن خان فقد هان؛ قال المولى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: ٢٧].
فمن خرج عن طريق النبي ﷺ فقد خانه، فحينئذٍ يخاف على هذا الخائن أن لا يرزقه الله أمانَهُ. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات: ١].
قال المفسرون: لا تعملوا على خلاف الكتاب والسنة. وقال آخرون: لا تقدموا بين يدي الله ورسوله قولًا ولا فعلًا.