للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الديني، فعلينا أن لا نغلو في رفض تلك القراءة بإطلاق، فإنها مفيدة جدًّا في فهم سيرورة التاريخ الإسلامي، والتحولات الدينية والاجتماعية والأخلاقية التي طرأت على المجتمع المسلم، وارتباط ذلك بسنة الله ﷿ في الأمم والمجتمعات والأفراد، حيث كانت الأمة تنعم باجتماع الكلمة والعزِّ والتمكين وظهور الأمر؛ يوم كانت متمسِّكة بكتاب ربها ﷿ وسنة نبيها ، فلمَّا ضعفتْ صلتها بهذين الأصلين، وظهرت البدع في العقائد والعبادات، وشاعت المعاصي والمنكرات والمظالم في المعاملات والأخلاق؛ ابتلاها ربُّها بالفرقة والضعف وتسلُّط الأعداء وكثرة النوازل والفتن.

وهذه الجملة متقررة عند أهل العلم والإيمان؛ لكن ما أقلَّ الدراسات العلمية الجادة في هذا المجال، أما الكتب الفكرية التي تناولت هذه القضية في العصر الحديث فقد ظلَّت محكومة بنظرية الخلافة والحكم، وكأنَّها أساس لكلِّ خير وإصلاح في الأمة، والحقيقة أنها نتيجة وأثرٌ لإقامة الدين الحقِّ وتحقيق التوحيد والاتباع.

لهذا فنحن في حاجة ماسَّة إلى قراءة إيمانيَّة تاريخية في تراثنا الإسلامي لرصد المخالفات العَقْدِيَّة والشرعية والسلوكية في المجتمع الإسلامي، وربطها بما أحاطتْ به من نوازلَ وحوادثَ، وانتهت إليه من نتائج وأحوال. وإذا كانت مظنَّة المادة العلمية لهذه الدراسة هي كتب التاريخ والتراجم؛ فإنَّ كتبًا في فنون أخرى تحوي مادة أكثر أهمية، وأعمق دلالة، وأدنى إلى خفايا المجتمع الإسلامي، فمنها المصنفات في الحوادث والبدع، وكتب الآداب الشرعية، وكتب الرِّحْلات، وكتب الفتاوى والنوازل. ولكتاب ابن بَيْدَكِينَ أهمية خاصَّة بين هذه الكتب، لما أشرتُ إليه سابقًا من دوافع التأليف لديه، وصلته بمجتمع العامَّة.

يبدو أنَّ بإمكاني أن أجعل هذه الفكرة أكثر وضوحًا من خلال اقتباس نصٍّ قيِّم لشيخ الإسلام ابن تيمية (ت: ٧٢٨ هـ) ، استخدم فيه المادةَ التاريخيةَ للعظة والاعتبار وفهم ما آلت إليه أحوالُ المسلمين، حيث قال في رسالته «الفرقان بين الحقٍّ والباطل»:

<<  <  ج: ص:  >  >>