فيها. فقال ﵇:«فإذا أتيتم إلى المجلس فأعطوا الطريق حقه». قالوا: يا رسول الله، وما حق الطريق؟ فقال:«غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر». وتمثيلُ النبيِّ ﵇ بالقوم الذين استهموا في السفينة معروفٌ. وما تولدت هذه الآفة وغيرها في المملكة الإسلامية إلا من فرط التهاون في إزالتها حين ظهورها، وتأخيرها من ساعتها إلى سنيها وشهورها، وقد أحسن من قال:
أرى خلال الرماد وميض نار … ويوشك أن يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تذكى … وإن الحرب أوله كلام
لئن لم يطفها عقلاء قومٍ … يكون وقودها جثث وهام
وهذه الفتوة المعهودة الآن بين هذه الطائفة الضالة وشروطها عندهم من البدع التي تأباها قواعد الدين، ولا أصل لها في الشرع، وقد ارتكب مُدَّعوها أمورًا يقتضي بعضها التحريم، وهو نسبة هذا الأمر إلى علي بن أبي طالب ﵁ فمن نسبه إليه فقد افترى عليه، وكذا المسُّ والنظر المحرمان شرعًا، ويقتضي بعضها التكفير وهو استحلال قتل من لا يحل قتله شرعًا، فالويل لمن رضي لنفسه بالانخلاع عن الشريعة المحمدية، واطِّراحِ (١) ربقة الاتباع للسنة النبوية، ولكن ما أسرع النفوس إلى قبول البدعة ونبذ السنة، وما أشد تفريطها فيما هي مكلفة به ومسئولة عنه ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ [النور: ٤٠]، ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: ٢٨]، ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (١٠٤)﴾ [الكهف: ١٠٤]، نسأل الله تعالى توفيقًا نعرف به الحق فنتبعه، ونعرف به الباطل فندفعه، ونسأله قلبًا واعيًا للحق، ولسانًا متزينًا بالصدق، ناطقًا بالنصيحة للخلق بمنه وكرمه، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم.
كتبه عثمان بن إبراهيم المارديني الحنفي حامدًا لله تعالى ومصليًا على
(١) غير واضحة في (ت)، وفي (ل): (والحراح). وفي (ط): (والجراح) ولعل الصواب ما أثبته. (ت)