للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنهم كانوا على الحق المبين، وبإيمانه بوجود الجن والشياطين، وبالعرش والكرسي وبالكرام الكاتبين، وأن الحق سبحانه جعلهم علينا حافظين.

ونؤمن بالصراط ودقته، والميزان وخفته؛ لأن بين كفتي الميزان خمس مئة سنة (١)، وكذلك طول اللسان، ومع ذلك ترجحه الذرة من الإحسان، وتنقصه الذرة من الذنوب والعصيان، ويدرك العبد ببصره كفتي الميزان، ويرى ما رجح من إحسانه، وكذلك النقصان، فمن رجحت حسناته سعد سعادة لم يشق بعدها أبدًا، ومن خفَّت موازينه شقي، ووقع في الخيبة والخسران، ومن تساوت حسناته وسيئاته جعل على الأعراف، وهو مكان مرتفع بين الجنة والنيران، فمن أراد من أهل الجنة أن يكون في وقت واحد ناظرًا إلى ربه مجتمعًا بنبيه وأهله وأقاربه، وبجميع المعارف والإخوان، كان له ذلك بقدرة الواحد الديان.

والقبر روضة من رياض الجنة لكل عبد شكور، وحفرة من حفر النار لكل عبد كفور، ولو جُعِلا في قبر واحد فانتبه من رقدتك أيها المغرور! وسؤال منكر ونكير ولو مئة ألف في لحظة واحدة، وذلك عليهما يسير، وكذلك ملك الموت يأخذ أرواح العباد في جميع أقطار الأرض، ولو ألف ألف في ساعة واحدة، والله على كل شيء قدير.


(١) لم نقف على تعيين ما بين كفتي الميزان بمسافة خمس مئة عام، ولم يذكره الطحاوي في «عقيدته»، ولا شارحه ابنُ أبي العزِّ الحنفي، والميزان ثابت في الكتاب والسنة، قال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (٤٧)﴾ [الأنبياء: ٤٧]، وقال تعالى: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (١٠٣)﴾ [المؤمنون: ١٠٢ - ١٠٣]. قال القرطبي: قال العلماء: إذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال، لأن الوزن للجزاء، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة، فإن المحاسبة لتقرير الأعمال، والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها. قال: وقوله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [الأنبياء: ٤٧]؛ يحتمل أن يكون ثَمَّ موازين متعددة توزن فيها الأعمال، ويحتمل أن يكون المراد الموزونات، فجمع باعتبار تنوع الأعمال الموزونة، والله أعلم. والذي دلت عليه السنة: أن ميزان الأعمال له كفتان حسيتان مشاهدتان. (ت)

<<  <  ج: ص:  >  >>