للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لقد ارتبط ابن بَيْدَكِينَ بصورة المجتمع الإسلامي في القرون الأولى التي شهد لها النبيُّ بالخيرية، فوجد في سنة النبي ، ثم في سير أصحابه الكرام وأئمة الدين والصالحين من بعدهم؛ الأسوةَ والقدوةَ والنموذجَ الذي ينبغي الاقتداءُ به، وإحياءُ آثاره ومآثره، لكنَّه كلَّما التفتَ إلى واقع المجتمع من حوله أصيب بالصَّدمة والذُّهول والخيبة، فقد كثرت المنكراتُ، وظهرت المعاصي، وعمَّ الجهلُ والظلم؛ إلا ما شاء ربُّك، فلا غروَ إذن أن يحكم التركمانيُّ على تلك المعاصي والمنكرات بأنَّها: «بدع»، نعم؛ إنها «بدع» بمعنى أنها دخيلةٌ على أخلاقيات المجتمع المسلم وسلوكه، حادثةٌ فيه بعد أن لم تكن، فهي بدع بالمنظور الأخلاقي والتاريخي والاجتماعي، وإن لم تكن بدعًا وفق التأصيل الأصولي، والتخريج الفقهي.

لن نعدم في الآثار السلفية إطلاق لفظ «البدعة» على بعض المنكرات الطارئة على سلوك الجماعة المسلمة، فقد كتب الخليفةُ الصالح عمرُ بن عبد العزيز إلى عمر بن الوليد بن عبد الملك بن مروان وكان لعَّابًا متنعِّمًا (١) يُنكر عليه بعضَ فعاله، فكان ممَّا كتبه إليه قولُه: «وإظهارُك المعازفَ والمزمارَ: بدعةٌ في الإسلام» (٢). ومهما يكن فإنَّ اطلاق لفظ «البدعة» على المنكرات والمعاصي بعد تدوين الفقه واستقرار المصطلحات أمر غير مستحسن، وهو في التصنيف خللٌ منهجيٌّ يؤدي إلى الخلط وسوء الفهم.

وصنعت الباحثةُ ترجمةً للمؤلِّف، وأجادت في جمع مادتها من كتابه، وفاتتها موادُّ كثيرة، كما أنها أخطأت في أشياء، منها: أنها لم تستطع التعرف على شيخ المؤلف الذي أكثر في النقل عنه، وهو ابن عطاء الله السكندري، ولم تحدِّد تاريخ تقريظ شيخ الإسلام ابن تيمية لرسالة «الفتوَّة»، وهو خلال المدَّة من شوال (٧٠٩) إلى شوال (٧١٢)، ولم تعرف المقتول


(١) قاله الذهبيُّ في «تاريخ الإسلام» ٣/ ١٣٣ (١٩٩).
(٢) أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (٤٤٢١)، وفي «المجتبى» ٢/ ١٧٨، وصححه الألباني في «تحريم آلات الطرب» ١٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>