للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هؤلاء السادة كان لهم قلوب نَيِّرة (١)، خافوا عليها من العمى فصبروا تلك المدة اليسيرة على الجوع والعُري والظمأ، فتعجلوا عيشًا هنيًّا طيبًا، واستبشرت لقدوم أرواحهم ملائكة السماء، أنشد بعضهم:

استعمل الصبر تجني بعده العسلا … وقف على الباب ليلًا تبلغ الأملا

وزاحم القوم في باب الكريم تجد … بابًا عن القاصد الملهوف ما قُفِلا

فالصالحون كان لهم قلوب خافوا عليها، ومن أعمى الله قلبه على أي شيءٍ يخاف؟

قال المولى الغفور: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٦]. فمتى عميت القلوب التي في الصدور؛ توقفت على أربابها جميع الأمور.

نظر بعض الصالحين إلى محرم وهو في الطواف، فجاءته لطمة أعمت عينه الواحدة التي نظرت، وسمع قائلًا يقول: نظرة بلطمة، وإن زدت زدناك (٢).

(فإن قال قائل: فكم لي أنا من نظرة فلم أعم ولم أرمد؟

جوابه: يكفيك أيها المفتون عمى قلبك الذي تعلم أن هذا حرام وأنت تفعله على الدوام، فتخالف الله تعالى وتخرج عن طريق النبي (٣)، والحق سبحانه يغير على عبده أن ينظر إلى غيره، ومن نور الله تعالى قلبه لا يتأسف على عمى عينه، (كما كان بعضهم يقول) (٤):

إذا كنت لي ما … ضرَّني من عدمته

فمن أراد أن ينور الله تعالى قلبه، ويكرمه في الدار الآخرة وهنا،


(١) في (ب): خيرة.
(٢) سلف ذكره.
(٣) ليست في (ق).
(٤) ليست في (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>