للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبلغنا أن جماعةً من الصحابة تصدقوا بجميع أموالهم (١)، وبعضهم لم يدخل في أمر من أمور الدنيا، ومنهم من عزل نفسه، ومنهم من ولي وذهب ماشيًا، ولما عُزل عاد (٢) ماشيًا، وأبو ذر لم يقبل هدية عثمان في خلافته مع فقره وفاقته، ولم يدخل في أمرٍ من الأمور (٣). وخطب على أن يكون أميرًا فأبى، وتوَكَّلُوا على الله وانجمعوا عليه، فعرَّفهم الطريق الموصلة إليه، ووقاهم شر هذه الدنيا (٤) الغرارة، فمن صدق في توكله أخذ الله تعالى بيده وأجاره، وبلغنا ذلك عن جماعة من التابعين أجمعين.


(١) منهم أبو بكر الصديق ، أخرجه أحمد في «مسنده» ٦/ ٣٥٠ (٢٦٩٥٧)، والطبراني في «المعجم الكبير» ٢٤/ ٨٨ (٢٣٥) من حديث أسماء بنت أبي بكر قالت: لما خرج رسول الله وخرج معه أبو بكر، احتمل أبو بكر ماله كله معه - خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم - قالت: وانطلق بها معه. قالت: فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه. قالت: قلت: كلا يا أبت إنه قد ترك لنا خيرًا كثيرًا. قالت: فأخذت أحجارًا فتركتها فوضعتها في كوة البيت كان أبي يضع فيها ماله. ثم وضعت عليها ثوبًا، ثم أخذت بيده فقلت: يا أبت، ضع يدك على هذا المال. قالت: فوضع يده عليه، فقال: لا بأس إن كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا لكم بلاغ. قالت: لا والله ما ترك لنا شيئًا، ولكني قد أردت أن أسكن الشيخ بذلك.
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» ٦/ ٧٤: رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع.
(٢) في (خ، ط): جاء.
(٣) أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» ١/ ٢٩٣ عن ابن سيرين قال: قال أبو ذر: خرجت إلى الشام فقرأت هذه الآية: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة: ٣٤]. فقال معاوية: إنما هي في أهل الكتاب. قال: فقلت: إنها لفينا وفيهم. فكتب إلى عثمان إن أبا ذر قال … ، وكتب إِلَيَّ عثمانُ أن أقدِم. فلما خرج انتقل متاعه، فأخرج أهله مزودًا ينوء باليد، فقال الناس: هذا أبو ذر الذي كان يُزَهِّد في الدنيا. فقال أهله: والله ما هو بذهب ولا فضة؛ إنما هي فلوس كان إذا خرج عطاؤه اشتراها لأهله. فلما قدمتُ على عثمان قال لي: تروح عليك اللقاح؟! فقلت: الدنيا لا حاجة لي فيها. قال: فاعتزل ما هاهنا.
(٤) في (ق): الدار.

<<  <  ج: ص:  >  >>