للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فانظر أيها المؤمن إلى صفات الأبرار، فمن سوء الحال والاغترار أن يعمل أحدنا عمل الفجار، ويطلب منازل الأخيار، فالحق سبحانه خوَّفهم ليجمعهم عليه، وليؤمنهم يوم يوقفهم (١) بين يديه، قال الله تعالى في كتابه المكنون: ﴿يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ [الزخرف: ٦٨].

فمن اتصف بصفات هؤلاء المتقين؛ أمَّنه الله تعالى يوم الفزع الأكبر، وحشره معهم عن يقين، (وقد أوردت حكاية مالك بن دينار لقوله: لا أدري من أي الدارين أنا؟) (٢).

واسمع قوله تعالى: ﴿وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ﴾ [الأحقاف: ٩]، فأهل اليقظة لا يعلم أحدهم ما غاب عنه من أمر الدنيا، ولا من أمر الآخرة ولا إلى ماذا مصيره، فكيف يعلمها المنجِّم وهو أعمى القلب والبصيرة؟! فالعاقبة مغيَّبة، والإرادة غير مغالبة، ولا يكون أبدًا إلا ما يريد؛ فسلم لربوبيته، وكن من جملة العبيد؛ يأتيك من الله الخير والمزيد، فالأشياء كلها إليه مصروفة، والخاتمة والاستقامة على مشيئته موقوفة.

ولا يدرك أحد شيئًا إلا بمشيئة الله تعالى؛ لقوله : ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الإنسان: ٣٠]، وكان كثيرًا يحلف : «لا ومقلِّب القلوب» (٣)، أي: يصرِّفها أسرع من البرق (٤).

فمن رضي الله عليه صرف قلبه إلى ما يقربه إليه، ومن لم يرض عنه


(١) في (ق): يقفون.
(٢) ليست في (ق).
(٣) أَخرجه أحمد في «مسنده» ٢/ ٢٥ (٤٧٨٨)، وعبد بن حميد في «مسنده» (٧٤١)، والدارمي في «سننه» (٢٣٥٠)، والبخاري في «صحيحه» (٦٦١٧)، وأبو داود في «سننه» (٣٢٦٣)، وابن ماجه في «سننه» (٢٠٩٢)، والترمذي في «جامعه» (١٥٤٠)، والنسائي في «المجتبى» ٧/ ٢ (٣٧٦١)، وفي «السنن الكبرى» (٤٧٠٣) من حديث ابن عمر .
(٤) في (خ): الريح.

<<  <  ج: ص:  >  >>