للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يدلك أيضًا على عظيم قدر المؤمن قوله سبحانه فيما يحكيه عنه رسوله : «لم تسعني أرضي ولا سمائي، ويسعني قلب عبدي المؤمن» (١).

انظر رحمك الله! إلى هذا القلب، ماذا مَنَّ الله عليه حتى صار إلى هذه المرتبة أهلًا؟ قال بعض العلماء: لو كشف الحق سبحانه عن مشرقات قلوب أوليائه، لانضوى نور الشمس والقمر في أنوارهم، لكن الحق سبحانه يوفي أعيان الكائنات حقها، فيقر لكل كون زينته، ولذلك (٢) ستر سر الخصوصية في وجود البشرية، ولا بد للشمس من سحاب، وللحسناء من نقاب، فستر سر الأولياء في دار الفناء، وسيظهره في دار البقاء التي رضيها لهم، فيرفع منارهم، ويبجل أقدارهم. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: ٩٦].

ثم اعلم بأن الولي خرج عن تدبيره لتدبير الله ﷿، وعن انتصاره لنفسه لانتصار الله تعالى له، وعن حوله وقوته بصدق التوكل على الله تعالى، وقد قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: ٣]. وقال : ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: ٤٧]. فكان ذلك لهم لأنهم تركوا اختيارهم وجعلوا الله تعالى مكان همومهم، فدفع عنهم الأغيار، وقام لهم بوجود الانتصار، فنصرهم وتولاهم وحارب من عاداهم، كما جاء في الحديث: «يقول الله ﷿: من عادى لي وليًّا فقد آذنني بالحرب» (٣) حديث صحيح.

وروي أن عمر بن الخطاب رأى معاذًا يبكي، فقال: ما يبكيك؟ قال: سمعت من رسول الله يقول: «اليسيرُ من الرياء شركٌ، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله تعالى بالمحاربة» (٤).

وقد طولنا هذا الباب، لكي لا يقع العاقل في أولي الألباب،


(١) تقدم الكلام عليه.
(٢) في (ق): وكذلك.
(٣) سبق تخريجه.
(٤) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>