للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدرسة المذكورة فسألوه، فأمر لهم بشيء، ثم جاء فصلى ركعتين، ثم قال: رحم الله ابن تيميةَ، كان يكره هؤلاء الطوائف على بدعهم. قال: فلما قال ذلك ذكرت له كلام الناس في ابن تيمية، فقال لي وكان ثم جماعة حاضرون، قد تخلفوا بعد الدرس يشتغلون عليه: والله يا فلان ما يُبغض ابن تيمية إلا جاهل أو صاحب هوى، فالجاهل لا يدري ما يقول، وصاحب الهوى يصده هواه عن الحق بعد معرفته به. قال: فأعجبني ذلك منه، وقبلت يده، وقلت له: جزاك الله خيرًا.

وأما المرازقة: فقد أفرد لهم ابن بيدكين فصلاً مطوَّلًا، وذكر تفاصيل مهمة عنهم، ولابن تيمية بحث مطول فيهم نقلته في موضعه، ويظهر من المقارنة بين كلامهما أن ابن بيدكين لم ينقل عبارات ابن تيمية بحروفها، لكنه استفاد منها، وزاد عليها، وأعاد صياغتها بأسلوبه، إذ نجد عندهما جملة كبيرة من الأفكار المتشابهة حول: تذبذبهم في الانتساب إلى الشافعية أو الحنابلة، وتركهم الجمعة والجماعات، وعدم قبولهم توبة الرافضي، واحتجاجهم في ذلك بحديث باطل، والإنكار عليهم بطاعة شيخهم والتعصب له في مخالفة الكتاب والسنة وأقوال الأئمة، وغلوهم في الاستثناء، وتكفيرهم لمخالفيهم واستحلالهم لدمائهم وأموالهم.

وأما الفتوة: فسنفردها بالبحث عند كلامنا على رسالة التركماني فيها، لكن نشير هنا إلى أن ابن تيمية قد استفتح تقريظه لها بثناء حارٍّ على ابن بيدكين فقال: «هذا الكراس كلام رجل صادق ناصح، متَّبع لشريعة الإسلام، ناهٍ عمَّا نهى الله عنه من الآثام، متبع الكتاب والسنة والأثر فيما دعا إليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، محب لله ولرسوله، راغب في طريق الله وسبيله … وهو فيه من أعظم المطيعين لله ولرسوله، القائمين بما أرضى الله ورسوله، ويجب على كل مسلم أن يرضى بما فعله من ذلك، ويعاونه على ذلك إذا احتاج إلى المعاونة بما يقدر عليه، وبوجود هذا وأمثاله من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر يُصلح الله للمسلمين دينَهم ودنياهم».

إن هذا الثناء يدلُّ بوضوح على معرفة شيخ الإسلام لابن بيدكين

<<  <  ج: ص:  >  >>