للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العبد الصالح، وما الذي رأيت؟ قلت لهن: لي ثلاثة أيام أختلف إلى هذا القبر أسمع صوت المقمعة والسلسلة فيه. قال: فلما سمعن ذلك مني. قلن لي: بشارة ما أضرَّها، ومصيبة ما أحزنها. ونحن نقضي الأوطار، ونعمِّر الدِّيار، وأبونا يُحرق بالنَّار؛ فوالله لا قرَّ (١) بنا قرار، ولا ضمنا للذة العيش دار، بل (٢) نتضرع للجبار لعله أن يعتق أبانا وينقذه من النار. ثم مضين يتعثرن في أذيالهن.

قال الحارث: فمضيت إلى داري فبتُّ ليلتي، فلما أصبحت أتيت القبر، فجلست عنده، فغلبني النَّوم، فإذا أنا بصاحب القبر له حُسن وجمال، وفي رجليه نعل من ذهب، ومعه حورٌ وغلمان.

قال الحارث: فسلَّمت عليه، وقلت له: رحمك الله من أنت؟ فقال: أنا الرجل الذي عاينت من أمره ما أحزنك، واطلعت منه على ما أفجعك، فجزاك الله خيرًا؛ فما أيمن طلعتك عليَّ. فقلت له: وكيف حالك؟ فقال: لما اطَّلعت عليَّ وأخبرت بناتي بالأمس بحالي؛ أعرين أبدانهن وأسبلن شعورهن (٣)، وتضرعن لمولاهن، ومرغن خدودهن في التراب، وأهملن دموعهن بالانسكاب، واستوهبنني من العزيز الوهاب؛ فغفر لي الذنوب والأوزار، وأنقذني من النار، وأسكنني دار القرار بجوار محمد النبي المختار، فإذا رأيت بناتي فأعلمهن بأمري وما كان من قصتي ليزول عنهن روعهن، ويفارقن حزنهن.

قال الحارث: فاستيقظت فرحًا مسرورًا لمَا رأيت وسمعت، ثم مضيت إلى داري وبتُّ ليلتي، فلما أصبحت أتيت القبر (٤) فوجدتهن حافيات الأقدام، فسلمت عليهن وقلت لهن: أبشرن، فقد رأيت أباكن في خير


(١) في (خ): يقر.
(٢) في (خ): و.
(٣) تعرية البدن وإسبال الشعور عند الدعاء من أفعال أهل الجاهلية، وهو مخالف كل المخالفة لشريعة الإسلام.
(٤) في (ق): القبور.

<<  <  ج: ص:  >  >>