للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتعزية سُنَّة ولا حجر في لفظها.

عزَّى الشافعي (١) رجلًا فكتب إليه:

إني معزيك (٢) لا أني على ثقة … من الخلود ولكن سنة الدين

فلا المعزي بباقٍ بعد ميته … ولا المعزي ولو عاشا إلى حين

ولما مات ابن الشافعي (٣) رحمهما الله أنشد:

وما للدهر إلا هكذا فاصطبر له … رزية مال أو فراق حبيب

روي عن الحارث بن نبهان أنه قال: كنت أخرج إلى الجبانات، أترحَّم (٤) على أهل القبور (٥) وأتفكر وأعتبر، وأنظر إليهم سكوتًا لا يتكلمون، وجيرانًا لا يتزاورون (٦)، وقد صار لهم من بطن الأرض وِطَاءً، ومن ظهرها غطاء، وأنادي: يا أهل القبور، محيت من الدنيا آثاركم، وما محيت عنكم أوزاركم، وسكنتم دار البلاء فتورمت أقدامكم. قال: ثم يبكي بكاءً شديدًا، ثم يميل إلى قبة فيها قبر، فينام في ظلها، قال: فبينما أنا نائم إلى جانب القبر فإذا أنا بحس مقمعة يضرب بها صاحب القبر، وأنا أنظر إليه، والسلسلة في عنقه: وقد ازرقت عيناه واسود وجهه، وهو يقول: يا ويلي، ماذا حلَّ بي؟ لو رآني أهل الدنيا، ما ركبوا معاصي الله أبدًا، طولبت والله باللذات فأوثقتني، وبالخطايا فأغرقتني، فهل من شافعٍ أو مخبرٍ أهلي بأمري؟

قال الحارث: فاستيقظت مرعوبًا، وكاد أن يخرج قلبي من هول ما


(١) انظر: «ديوان الشافعي» (ص ١١٦).
(٢) في (ق): أعزيك.
(٣) انظر: «ديوان الشافعي» (ص ٢٩).
(٤) في (خ): فارحم.
(٥) في (ق): الموتى.
(٦) في (ق): يتحاورون.

<<  <  ج: ص:  >  >>