للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أيضًا: «أكثركم شبعًا في الدنيا، أكثركم جوعًا يوم القيامة» (١).

فجوَّعْ نفسك أيها المؤمنُ! لوليمة الآخرة، وتشبَّه بعباد الله الصالحين، لكي لا تنسى الجائعين، واجلس على الطعام بأدبٍ، ولا تتجشأ منه؛ فإنك تودُّ بعد أكله لو خلَّصك الله منه، فمن أكل بغير مقدار، فقد تشبَّه بالثور والحمار، وخرج عن طريق الأولياء والأخيار، وخالف القرآن العظيم والأخبار، فترى بعض المترفين يتجشأ منه، فيثقل الطعام على معدته، فيسعى في حطِّ حمله بالمعاجين والسفوف (٢) وما هذه صفات من يخشى المولى الرؤوف، فإذا أكل الإنسان؛ يحمد الله تعالى، ويسأله أن لا يؤاخذه بجائعي أمة محمد ، ويدعو الله سبحانه أن يهديه ويقويه، حتى يصرف رزق الله تعالى في طاعته، وفيما يرضيه، فيكون شاكرًا لإنعامه وأياديه، والفاجر من حمد الله تعالى عَقِيبَ أكله، ثم صرف الطعام في مخالفة الله سبحانه ومعاصيه. قال المولى الغفور: ﴿كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ [سبأ: ١٥] وقال في آية أخرى: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: ١٣]. وقد بيَّنت الشاكر والفاجر، وذكرت في هذا الباب شيئًا من البدع ومما عليه يثاب، وأما آداب الأكل ومنافعه فلا يحتمله هذا الكتاب. وقد جمع الطب كلَّه في ثلاث كلمات: الحمية رأس الدواء، والمعدة بيت الداء، وعوِّدوا كلَّ جسدٍ بما اعتاد (٣).


(١) سلف تخريجه.
(٢) المَعاجِين: ما عُجِن من الأدوية. والسَّفوف: ما يُسفُّ من الدواء اليابس.
(٣) قال الألباني في «السلسلة الضعيفة» (٢٥٢): حديث: «البطنة أصل الداء، والحمية أصل الدواء، وعودوا كل جسم ما اعتاد»؛ لا أصل له. وقد أورده الغزالي في «الإحياء» مرفوعًا إلى النبي ! فقال الحافظ العراقي في تخريجه: لم أجد له أصلًا. وأقره الحافظ السخاوي في «المقاصد الحسنة» (١٠٣٥)، وقال المحقق ابن القيم في «زاد المعاد»: «وأما الحديث الدائر على ألسنة كثير من الناس: «الحمية رأس الدواء، والمعدة بيت الداء، وعودوا كل جسم ما اعتاد»، فهذا الحديث إنما هو من كلام الحارث بن كلدة، طبيب العرب، ولا يصح رفعه إلى النبي . قاله غير واحد من أئمة الحديث». لكن ذكر السخاوي أن الخلال روى من حديث عائشة: «الأزم دواء، والمعدة داء، وعودوا بدنًا ما اعتاد». وظاهره أنه مرفوع، وقد صرح بذلك السيوطي =

<<  <  ج: ص:  >  >>