قلتُ: استشهاد المؤلف بهذا الحديث في غير موضعه، فإنه يدلُّ على النَّهي عن شدِّ الرِّحال على وجه التقرُّب والتعبُّد لغير المساجد الثلاثة المذكورة، أما شدُّ الرِّحال من أجل طلب العلم والرزق فأمر مرغوب فيه، وقد ورد التخفيف في العبادات لرفع الحرج عمَّن يسافر ابتغاء رزقه، قال تعالى: ﴿علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله﴾ [المزمل: ٢٠]، وقال تعالى: ﴿هو الذي جعل لكم الأرض ذلولًا فامشوا في مناكبها وكلو من رزقه وإليه النشور﴾ [الملك: ١٥]. وإنما الذي يقبحُ على الرجال والنساء هو الاشتغال بأمر الدنيا عن أمر الآخرة. (٢) في (ق، ب): مأكل. (٣) في (ب): نذهب بها. (٤) في (ب): فذاك. (٥) أخرجه أحمد في «مسنده» ٣/ ٤٥٢ (١٥٧٤٧)، والطبراني في «الكبير» ٨/ ٢٩٩ (٨١٣٨)، والبيهقي في «شعيب الإيمان» ٥/ ٢٩ من حديث الضحاك بن سفيان الكلابي: أن رسول الله ﷺ قال له: «يا ضحَّاك! ما طعامك؟» قال: يا رسول الله اللحم واللبن. قال: «ثم يصير إلى ماذا؟» قال: إلى ما قد علمت. قال: «فإن الله ﵎ ضرب ما يخرج من ابن آدم مثلًا للدنيا». وله شاهد من حديث سلمان، أخرجه يحيى بن صاعد في زوائد «الزهد» (٤٩٢)، والطبراني في «الكبير» (٦١١٩) من طرق عن محمد بن يوسف الفريابي، حدثنا سفيان وهو الثوري، عن عاصم وهو الأحول، عن أبي عثمان النهدي، قال سفيان: أراه عن سلمان وجاء عند الطبراني عن سلمان من غير شك قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ، فقال: ألكم طعام؟ إلى أن قال: «فإن معادهما كمعاد الدنيا، يقوم أحدكم خلف بيته، فيمسك على أنفه من نتن ريحه». وأخرج عبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» (٢١٢٣٩) عن أُبي بن كعب ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إنَّ مطعم ابن آدم جُعل مثلًا للدنيا، وإنْ قزَّحَه وملَّحَه، فانظر إلى ما يصير». قال المنذري في «الترغيب»: إسناده جيد قوي. وخرَّجه الألباني في «الصحيحة» (٣٨٢).