للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حجَّ ستين حجة، في آخرها جلس تجاه الكعبة يفكر في أمره هل قبل أم لا؟

وقال بعض الصالحين في مِنًى: اللهم إن الناس قد تقربوا إليك بقربانهم، ولا أملك اليوم إلا نفسي فاقبلها منِّي، فخرَّ ميتًا (١).

حجَّ رجلٌ تكروريٌّ وكان مؤلفُ الكتاب مجاورًا بمكة المشرفة هو وعياله فجاء التكروريُّ إلى إمام المالكية بمكة، وقال له: اجعلني في حلٍّ. وقال: قيل لي: إن الله سبحانه غفر لأهل الموقف لأجلك، ومن علامة ذلك أنك تموت في غدٍ. فأصبح ميتًا، تغمدنا الله وجميع المسلمين برحمته.

فانظر إلى خوف هؤلاء السَّادة مع ما سبق لهم من الخير والعبادة، وأَمْنِنَا (٢) وقد خالفنا عالم الغيب والشهادة، كان همهم الآخرة، فصرف عنهم همَّ الدنيا والآخرة.

قال عمر بن الخطاب : إنْ كنت أعول همًّا غير همِّ يوم القيامة لا أمَّنني الله منه (٣).

دخل رجل على زوجته مهمومًا، وكانت عارفةً بالله، فقالت: اللهم إن كان همه الدنيا فاصرفه عنه، وإن كان همه الآخرة، فزده همًّا إلى همه.

ثم اعلم بأنَّ العبد إذا كان خاملًا في الدنيا خيرٌ له من أن يكون خاملًا (٤) في الآخرة، ويُبس كسْرتك خير من يُبس قلبك، لا تكن كالطفل يشترط فيبكي، والكبير يتجرع المرارة ويصبر لعلمه بالمنفعة، ولو دامت الدنيا لأهلها لا ينبغي أن يحسدوا عليها لنقصان الآخرة، والأكدار في طرف العصا.


(١) ذكره إسماعيل حقي في «روح البيان» ٣/ ٩٩.
(٢) في (ق، ط): وأمنًا.
(٣) لم أجده.
(٤) في (خ) في الموضعين: محمولًا. وصوابه: مخمولًا

<<  <  ج: ص:  >  >>