أما اسمه فلا تختلف النسخ في أنه: إدريس بن بيدكين بن عبد الله التركماني الحنفي. وهو كما يدلُّ عليه نسبه من التركمان، وكانت مواطنهم في ذلك العصر في شمال العراق وبلاد الشام، خاصة في كركوك والموصل وحلب وماردين، فلعله ولد ونشأ في إحدى هذه المدن، وقد يكون من مناطق التركمان الأعجمية، أو من قبائلها الرحَّل في أذربيجان وما بعدها حتَّى وسط آسيا، وبهذا الاحتمال يمكن أن نفسِّر ضعفه في اللغة العربية، وليس من الصواب أن نستنتج من هذا أنه نشأ مشركًا وأسلم في وقت متأخر، فمن المعروف أن التركمان دخلوا في الإسلام سنة (٣٤٩ هـ/ ٩٦٠ م)(١)، واندمجوا سريعًا في المجتمع المسلم، وبرز لهم حضور واضح في التاريخ الإسلامي، وكان منهم أمراء وقضاة وفقهاء. والعبارة التي التقطها د. صبحي لبيب للاستدلال على تأخر إسلام ابن بيدكين ليست صريحة في تأييد هذه الدعوى، فقد كان ﵀ يخاطب قارئ كتابه بقوله:«فاشكر أيها المؤمن! الذي منَّ عليك بخلعة الإيمان بعد سبع مئة سنة وكسور من الهجرة، وأحرمها غيرك وهو في الحضرة»(ص: ٥٩٧). وهذه المنَّة تصدُق على من نشأ في أسرة مسلمة، وعلى من أسلم بعد ذلك.
لقد نشأ ابن بيدكين بين قومه، ثم اختار طلب العلم، فتوجَّه إلى الحواضر الإسلامية العربية، فنجده يستحضر بعض التقاليد السيئة التي رآها أيام نشأته فيقول:«كما يفعله بعضُ فسقة التركمان فترقصُ المرأة مع الرجل وقد أحاط بهم الرجال من كل مكان»(ص: ٣٢٥). وهذه الرقصة ما زالت موجودة وتسمَّى في فلسطين:(الدبكة)، وقد يكون فيها اختلاط باصطفاف الرجال والنساء في صف واحد، بين كل رجلين امرأة، أو في صفين متقابلين صف للرجال وآخر للنساء كما في تركيا، وقد تكون من غير اختلاط.
نلتقي بابن بيدكين لأول مرةٍ في مدينة دمشق، حيث نجده يسجِّل بعض يومياته هناك فيقول: «وكان للمؤلف أخٌ صادق في حب الله ورسوله،