للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه. وقال بعض جيرانه: إنَّه سبَّ أمَّه بشيء قبيحٍ، فدعت عليه بسوء الخاتمة؛ أجارنا الله منها) (١).


(١) ما بين القوسين ليس في (ق).
قال عبد الحق التركماني غفر الله له: هذه حكاية مهمة تُنبؤك عن تدرج المؤلف في مدارج العلم، فقد أخذته الحماسة في رمي ذلك المتهتك بالزندقة، ثم لما أخذ بطرف من العلم، وعلم أن الرمي بالزندقة رمي بالكفر الأكبر؛ ندم على صنيعه ذاك، وخفَّف عليه شدَّة ندمه ولومه لنفسه على تلك الكلمة أن ذلك الرجل قد اتهم بالزندقة، وحكم عليه القضاء الشرعي بالقتل، وقد وقفتُ بفضل الله على اسمه وخبره، فهو: أحمد بن محمد البقَقِيُّ المصريُّ، يلقب بفتح الدين، المقتول على الزندقة سنة (٧٠١ هـ/ ١٣٠٢ م). ترجم له ابن حجر في «الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة» ١/ ٣٠٨ (٧٨٤) فقال: «ولد سنة ستين تقريبًا، وتفقَّه كثيرًا، واشتغل وتأدب، وناظر حتى مهر في كل فنٍّ، وقطع الخصوم في المناظرة، وفاق الأقران في المحاضرة، وبدت منه أمور تنبئ بأنه مستهزئ بأمور الديانة، فادُّعيَ عليه عند القاضي المالكي زين الدين ابن مخلوف بما يقتضي الانحلالَ، واستحلال المحرمات، والاستهزاء بالدين، وأُخرج محضر كتب عليه في سنة (٦٨٦)، وقامت عليه البينة بذلك، فحبس، فكتب ورقة من الحبس على ابن دقيق العيد، صفةَ فُتيا، فكتب عليها: (إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) [الأنفال: ٣٨]، فأرسلها إلى المالكيِّ، فقال: هذه في الكفار إذا أسلموا ورجعوا! ثم أحضر من السجن، قدام شبَّاك الصالحية، فأعيدت عليه الدَّعوى فاعترف، وصار يتلفَّظ بالشهادتين، ويصيحُ: يا ابن دقيق العيد! ويقول: يا مسلمين! أنا كنت كافرًا وأسلمتُ! فلم يقبل منه المالكيُّ، وحكم بقتله، فضربت رقبته، بينَ القصرين، وذلك في شهر ربيع الأول سنة (٧٠١)، ويقال: إن الشيخ المعروف بالمحفِّدار سمع كلامه، فقال له: كأني بك وقد ضربتْ عنقك بين القصرين، وبقي رأسك معلقًا بجلدةٍ! فكان كذلك. قال الذهبيُّ: كان عالمًا مفننًا مناظرًا، من قرية بققة من حماة، وقيل من الحجاز، وكان من الأذكياء، ممن لم ينفعه علمه، كان يشطح، ويتفوَّه بعظائم، وينعق بمسعدة النبوة والتنزيل، ويتجهرم بتحليل المحرمات. وقال أبو الفتح اليعمري: كان يتطبَّب ولا يدري، ويتأدب ولا يعلم، ويدعي العقل ولا عقل له، بل كان بريًّا من كل خير، وفيه يقول ابن دانيال:
يظنُّ فتى البققي أنه … سيخلص من قبضة المالكي
نعم سوف يسلمه المالكي … قريبًا ولكن إلى مالكِ
وقال فيه أيضًا:
لا تسلم البققي في فعله … إن زاغ تضليلًا عن الحق
لو هذب الناموسُ أخلاقه … ما كان منسوبًا إلى البقِّ =

<<  <  ج: ص:  >  >>