للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن جملة بدعتهم وإدبارهم: أن أحدهم يصلي الفرض قاعدًا، ويعتذر عن القيام بتحيُّد الطير عنه. فانظر إلى دينهم! كيف يرضى بإعراض الله عنه، ولا يرضى بإعراض طير؟! ويقع في هذه المعصية (١) العظيمة لأمر خيالي يتوهم حصوله بمعصية الله، سبحانه خالقه ومولاه، فسبحان الحليم الذى لا يعجل على من خالفه وعصاه) (٢). وما أحسن قول ابن عباس لرجل كان يصور صور الحيوان، فعرَّفه بما ورد في التصوير من النهي، فاعتذر المصور أن له عيالًا، وفعل ذلك خوفًا من ضياعهم؛ فأعرض عنه ابن عباس وسخر من قوله، وقال: هذا يزعم أنه إذا عصا الله أطعمه، وإذا أطاعه أجاعه (٣).

وبدعة أخرى: أنَّهم لا يُنزلون الناس منازلهم، وهذه أيضًا أفعال ردية، مخالفة للشريعة المحمدية، وليس التقدم في شرعهم بالتقوى، ولا بالشرف، ولا بالعلم النافع، ولا بالعمل الصالح، ولا بطول الأعمار، ولا باتباع النبي المختار؛ ولكنَّ التقدم عندهم بكثرة رمي ما وجب من الأطيار المختصة باصطلاح (٤) هؤلاء الأشرار.

فيتغالون في تعظيم الرامي، ويقبلون شهادته، ويتواضعون له، ويتصنتون لكلامه، ويقدمونه وإن كان الرامي فاسقًا، أو كافرًا، أو فاجرًا من


(١) في (خ): المصيبة.
(٢) إلى هنا نهاية سقوط ورقة من (ق).
(٣) لم أقف على هذا الأثر عن ابن عباس، وقد أخرج أبو نعيم في «الحلية» ٦/ ٣٨٠ بسنده قال: مر شيخ من الكوفيين كان كاتبًا لسفيان الثوري فقال له سفيان: يا شيخ، وَلِي فلانٌ فكتبتَ له ثم عُزل، وولي فلانٌ فكتبتَ له ثم عزل، وولي فلان فكتبتَ له، وأنت يوم القيامة أسوأهم حالًا؛ يدعى بالأول فيسأل، ويدعى بك فتسأل معه عما جرى على يدك له، ثم يذهب وتوقف أنت حتى يدعى بالآخر، فيسأل وتسأل أنت عما جرى على يدك له، ثم يذهب وتوقف أنت حتى يدعى بالآخر، فأنت يوم القيامة أسوأهم حالًا. قال: فقال الشيخ: فكيف أصنع يا أبا عبد الله بعيالي؟! فقال سفيان: اسمعوا هذا يقول: إذا عصى الله رزق عياله، وإذا أطاع الله ضيع عياله. قال: ثم قال سفيان: لا تقتدوا بصاحب عيالٍ، فما كان عذر من عوتب إلا أن قال: عيالي!
(٤) في (خ، ق): باصلاح.

<<  <  ج: ص:  >  >>