للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَصِيرٌ﴾ [الممتحنة: ٣]، ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾، والناس فريقان لا ثالث لهما، فإمَّا: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ﴾، وهم أهل الإيمان الصحيح والعمل الصالح، وإما: ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ﴾ [عبس: ٣٤ - ٤٢] نعوذ بالله من حالهم؛ فلا ينتفع ذلك الغافل بعلمٍ ولا موعظةٍ، أسأل الله تعالى أن يهدي قلوبنا، ويطهرها من الشرك والنفاق والرياء.

إنني أرى أنَّ اهتمامَ كلِّ قوم من الأقوام الإسلامية بلغتهم وميراثهم الإسلامي إن سلمت النيات والمقاصد أمرٌ حسنٌ، يُظهر عظمة هذا الدين الذي استوعب بسماحته وسعته ورحمته أقوامًا كثيرة مختلفة في ألسنتها وألوانها وأعراقها، فاجتمعوا على دين التوحيد أمةً واحدةً، وإخوةً مؤمنين، يتناصرون ويتراحمون ويتعاطفون، وتنعدم الفوارق بينهم كلَّما وقفوا بين يدي الله ﷿، متَّجهين إلى قبلةٍ واحدةٍ، يدعون ربًّا واحدًا، ويقرؤون بالعربية كلامه المجيد، يسألونه الهداية إلى سلوك طريق واحد: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾، فلا يزيغهم عنه إلا ما يبتلون به من الجهل والغفلة أو يتلبَّسونَ به من أهواء النفس وشبهاتها وشهواتها.

نعم؛ فقد كان المجتمع الإسلامي مثالًا للتعددية القوميَّة والثَّقافيَّة، فلم يُمنَع أحدٌ من التحدُّث بلغته، ولا الالتزام بزيِّه وهيئته، ولا العيش على طريقة أسلافه؛ ما لم يكن في ذلك مخالفة لشريعة الله ﷿، فتحقَّق فيهم قول الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾، وصار معيار التميُّز إقامة العبودية لله ﷿: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: ١٣]، فتسابقوا في خدمة عقيدتهم ودينهم، فكان منهم العلماء والأمراء والعبَّاد والزهَّاد والمجاهدون، بذلوا أموالهم وأنفسهم في نصرة الإسلام، وإعلاء كلمة الله ﷿، فلا تجدُ علمًا من العلوم الشرعية والعربية، ولا ميدانًا من ميادين الجهاد والعمل والتَّضحية إلا وهم شركاءُ فيه: عربهم وعجمهم، أحمرهم وأسودهم، مشرقيِّهم ومغربيِّهم. وبذلك بارك الله في آثارهم، وأعلى

<<  <  ج: ص:  >  >>