للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يومًا تقول: ليس بيننا وبين أنْ نَرد مَوارد السُّرور، أو نُنادى بالويل والثبور، ونرى منازلنا من الجنان، أو نصير بين أطباق النيران، إلا مفارقة الأرواحُ الأبدانَ، فانظروا اليوم أيَّ عبيدٍ تكونون غدًا، أواه على بُعد السفر، وقلة الزاد، والفضيحة في يوم المعاد. ثم بكت حتى ماتت (١).

قال محمد بن النَّضْر الجهني (٢): حُدِّثتُ أنه كان في صُريم امرأةٌ يقال لها: بردة الصريمية بكت حتى ذهبت عيناها. فقيل: يا بردة! إلى متى هذا البكاء؟ أوما تري عينيك قد ذهبتا؟ فقالت: إن كانتا للنار، فقد أبعدهما الله، وإن كانتا للجنة فسيبدلني الله ﷿ أحسن (٣) منهما (٤).


(١) ذكره ابن الجوزي في «صفة الصفوة» ٣/ ١٨٩ في ترجمة: (أخت الفضيل بن عبد الوهاب) ضمن (المصطفيات من العابدات الكوفيات ذكر المسميات منهن والمنسوبات)، وفضيل بن عبد الوهاب هو أبو محمد القنَّاد الغطفاني السكري الكوفي، نزل بغداد، وهو أصبهاني الأصل، ثقة من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، أخرج له أبو داود. (ت)
(٢) هو الحارثي وليس الجهني أبو عبد الرحمن الكوفي، عابد أهل الكوفة في زمانه. قال ابن حبان في «الثقات»: من عباد أهل الكوفة وقرائهم، والحافظين ألسنتهم في أحوالهم وأوقاتهم، ما له حديث مسند يرجع إليه، إنما له الحكايات في الرقائق، وكان صديقًا للثوري وفضيل بن عياض، روى عنه أهلها. وقال الذهبي في «تاريخ الإسلام» ٤/ ٧٤١: روى عن الأوزاعي يسيرًا، وعنه: عبد الرحمن بن مهدي، وأبو نصر التمار. قال ابن المبارك: كان إذا ذكر له الموت اضطربت مفاصله. وقال بعضهم: شهدت غسل محمد بن النضر، فلو سلخ كل لحم عليه ما كان رطلًا. وعن أبي الأحوص سلام بن سليم قال: كان محمد بن النضر جعل على نفسه أن لا ينام قبل موته بثلاث سنين، إلا ما غلبت عينه. وقال عبثر بن القاسم: اختفى محمد بن النضر عندي من الوزير يعقوب بن داود في هذه العلية أربعين ليلةً، فما رأيته نائمًا ليلًا ولا نهارًا. وقال أحمد بن حنبل: حدثنا عبد القدوس بن بكر، عن محمد بن النضر قال: أول العلم الإنصات، ثم الاستماع له، ثم حفظه، ثم العمل به، ثم بثه.
(٣) في (ق): خيرًا.
(٤) ذكره ابن الجوزي في «صفة الصفوة» ٤/ ٣٦ في (ذكر المصطفيات من عابدات البصرة) ترجمة: (بردة الصريمية)، ولفظه: عن موسى بن سعيد أو غيره، قال: قيل للحسن: يا أبا سعيد إن هاهنا امرأة يقال لها بردة، قد فسدت عيناها من البكاء، فدخل عليها، فقال لها: يا بردة! إن لبدنك عليك حقًّا، وإن لبصرك عليك حقًّا. قالت: يا أبا سعيد إن أكن من أهل الجنة فسيبدلني الله بصرًا من خيرًا بصري، وإن أكن من أهل النار فأبعد الله بصري.

<<  <  ج: ص:  >  >>