للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضرب الدُّف أو الكفِّ والشبابة، وذِكْر القَدِّ والخَدِّ والأعطَاف والعذار، لم يأت قطُّ في الأخبار أن مثل هذه الأشعار ذُكِر بين يدي النَّبي المختار. والأشعار التي كانت تُقال بين يديه ، هي مما تهيج الحروب أو ما فيه حكمة وموعظة للقلوب في إنشادها حكمة، وتحث أهل الإيمان على جهاد أهل الكفر والطغيان؛ فأبيح لذلك.

وكذلك ما جرى للحبشة يوم لعبهم بالدرق (١)، والحراب في مسجد النبي (٢)؛ لأنه كان يوم عيد. وهذا لا يتناول محل النزاع؛ لأن ذلك لم يكن من الحبشة رقصًا على ضرب دُفٍّ أو كفٍّ أو غناء، ولا تحركًا عن هوى، ولا ضربًا بالأقدام، ولا إشارة بالأكمام. بل كان لعبًا بالسلاح وتهيئًا للكفاح في الحرب، وتعليم الكَرِّ والفرِّ، والطعن والضرب، فأبيح كذلك. والضرورات تبيح المحذورات. فلا يقاس عليه غيره، لكي لا يكون ذلك سببًا لخراب المساجد والزوايا من نط هؤلاء البطَّالين.

وقد صح أن النبي دعا على من يبيع في المسجد، وعلى من ينشد الضالة فيه (٣).

وروي أن عمر بن الخطاب بنى بناءً خارجًا عن المسجد، وقال للناس: من أراد أن ينام أو ينشد شعرًا أو يتكلم بكلام الدنيا فليذهب إليه، ومن أراد الصلاة والذكر والقراءة يأتي إلى المسجد (٤).


(١) الدرق: جمع الدرقة وهي الترس إذا كان من جلد ليس فيه خشب ولا عصب. انظر «لسان العرب» (مادة: درق).
(٢) أخرجه الحميدي في «مسنده» (٢٥٤)، وأحمد في «مسنده» ٦/ ٥٦ (٢٤٢٩٦)، والبخاري في «صحيحه» (٤٥٥)، ومسلم في «صحيحه» (٨٩٢) (١٧)، والنسائي في «المجتبى» ٣/ ١٩٥ (١٥٩٥) من حديث عائشة قالت: رأيت رسول الله يسترني بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد، حتى أكون أنا أسأم، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو.
(٣) سبق تخريجه.
(٤) أخرجه مالك في «الموطأ» (٤٢٢) عن عمر بلاغًا، ووصله البيهقي في «السنن الكبرى» ١٠/ ١٠٣ من طريق مالك، ولفظه: أن عمر بن الخطاب بنى رحبة في ناحية المسجد تسمى البطيحاء وقال: من كان يريد أن يلغط، أو ينشد شعرًا، أو يرفع صوته؛ فليخرج إلى هذه الرحبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>